قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } يعني فيما مضى { وَلَن تَفْعَلُواْ } أي تُطيقوا ذلك فيما يأتي. والوقف على هذا على «صادقين» تامَّ. وقال جماعة من المفسرين: معنى الآية وٱدعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ولن تفعلوا، فإن لم تفعلوا فاتقوا النار. فعلى هذا التفسير لا يتم الوقف على «صادقين» فإن قيل: كيف دخلت «إن» على «لم» ولا يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أن «إن» ها هنا غير عاملة في اللفظ، فدخلت على «لم» كما تدخل على الماضي لأنها لا تعمل في «لم» كما لا تعمل في الماضي فمعنى إن لم تفعلوا: إن تركتم الفعل. قوله تعالى: { وَلَن تَفْعَلُواْ } نصب بلن، ومن العرب من يجزم بها، ذكره أبو عبيدة ومنه بيت النابغة:
فلن أُعَرِّضْ أبَيْتَ اللّعْنَ بالصَّفَدِ
وفي حديث ٱبن عمر حين ذُهب به إلى النار في منامه: فقيل لي «لن تُرَعْ». هذا على تلك اللغة. وفي قوله: «وَلَنْ تَفْعَلُوا» إثارة لهممهم، وتحريك لنفوسهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع، وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها. وقال ٱبن كَيْسان: «ولن تفعلوا» توقيفاً لهم على أنه الحق، وأنهم ليسوا صادقين فيما زعموا من أنه كذب، وأنه مفترًى وأنه سحر وأنه شِعر، وأنه أساطير الأوّلين وهم يدّعون العلم ولا يأتون بسورة من مثله. وقوله: { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } جواب «فإنْ لَمْ تَفْعَلُوا» أي ٱتقوا النار بتصديق النبيّ صلى الله عليه وسلم وطاعة الله تعالى. وقد تقدّم معنى التقوى فلا معنى لإعادتها. ويقال: إن لغة تميم وأسد «فتَقُوا النار». وحكى سيبويه: تَقَى يَتْقِي، مثل قَضَى يقضي. «النارَ» مفعولة. «التي» من نعتها. وفيها ثلاث لغات: التي واللِّتِ بكسر التاء واللّتْ بإسكانها. وهي ٱسم مُبْهَم للمؤنث وهي معرفة ولا يجوز نزع الألف واللام منها للتنكير، ولا تتم إلا بصلة. وفي تثنيتها ثلاث لغات أيضاً: اللّتانِ واللَّتا بحذف النون واللّتانِّ بتشديد النون. وفي جمعها خمس لغات: اللاَّتِي، وهي لغة القرآن. واللاّتِ بكسر التاء بلا ياء. واللّواتِي. واللّواتِ بلا ياء وأنشد أبو عبيدة:
من اللّواتِي واللّتي والّلاتِي
زعمن أن قد كَبِرتْ لِداتي
واللّوا بإسقاط التاء هذا ما حكاه الجوهري. وزاد ٱبن الشّجري: اللاّئي بالهمز وإثبات الياء. واللاّءِ بكسر الهمزة وحذف الياء. واللاّ بحذف الهمزة. فإن جمعت الجمع قلت في اللاّتي: اللّواتي. وفي الّلائي: اللوائي. قال الجوهري: وتصغير الّتي اللُّتَيّا بالفتح والتشديد قال الراجز:
بعد اللُّتَيّا واللَّتَيّا والّتِي
إذا عَلَتْهَا أنفسٌ تَرَدَّتِ
وبعض الشعراء أدخل على «التي» حرف النداء، وحروف النداء لا تدخل على ما فيه الألف واللام إلا في قولنا: يا الله، وحده. فكأنه شبّهها به من حيث كانت الألف واللام غير مفارقتين لها وقال: