الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }

فيه ثمان مسائل: الأُولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { حَافِظُواْ } خطاب لجميع الأُمة، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها. والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه. والوُسْطَىٰ تأنيث الأوْسَط. وَوَسَط الشيء خَيْره وأعْدَله ومنه قوله تعالىٰ: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } وقد تقدّم. وقال أعرابيّ يمدح النبيّ صلى الله عليه وسلم:
يا أوْسَطَ النّاس طُرّاً في مَفاخرهم   وأكرَم الناس أُمّاً بَرَّةً وأبا
وَوَسَط فلانٌ القوم يَسِطهم أي صار في وسطهم. وأفرد الصَّلاة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبلُ في عموم الصلوات تشريفاً لها كقوله تعالىٰ:وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [الأحزاب: 7]، وقوله:فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [الرّحمٰن: 68]. وقرأ أبو جعفر الواسطيّ «وَالصَّلاَةَ الوُسْطَىٰ» بالنصب على الإغراء، أي والزموا الصَّلاةَ الوُسْطَى: وكذلك قرأ الحلوانيّ. وقرأ قَالُونُ عن نافع «الوصطى» بالصاد لمجاورة الطّاء لها لأنهما من حَيِّز واحد، وهما لغتان كالصراط ونحوه. الثانية ـ وٱختلف الناس في تعيين الصَّلاة الوسطىٰ على عشرة أقوال: الأوّل ـ أنها الظهر لأنها وسط النهار على الصحيح من القولين أن النهار أوّله من طلوع الفجر كما تقدّم، وإنما بدأنا بالظهر لأنها أوّل صلاة صُلِّيت في الإسلام. وممن قال إنها الوسطى زيد بن ثابت وأبو سعيد الخدريّ وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم. ومما يدل على أنها وسطى ما قالته عائشة وحفصة حين أمْلَتَا: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر» بالواو. وروي أنها كانت أشق على المسلمين لأنها كانت تجيء في الهاجرة وهم قد نفّهَتْهُمْ أعمالهم في أموالهم. وروى أبو داود عن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي الظهر بالهاجرة ولم تكن تُصلَّى صلاةٌ أشدّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، فنزلت: { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين. وروى مالك في موطئه وأبو داود الطيالسي في مسنده عن زيد بن ثابت قال: الصَّلاة الوسطىٰ صلاة الظهر زاد الطيالسي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّيها بالهَجِير. الثاني ـ أنها العصر لأن قبلها صلاتْي نهارٍ وبعدها صلاتْي ليلٍ. قال النحاس: وأجود من هذا الاحتجاجُ أن يكون إنما قيل لها وُسْطَىٰ لأنها بين صلاتين إحداهما أوّل ما فرض والأُخرىٰ الثانية مما فُرض. وممن قال إنها وسطى عليّ بن أبي طالب وٱبن عباس وٱبن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدريّ، وهو ٱختيار أبي حنيفة وأصحابه، وقاله الشافعي وأكثر أهل الأثر، وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب وٱختاره ٱبن العربي في قَبَسِه وٱبن عطية في تفسيره وقال: وعلى هذا القول الجمهورُ من الناس وبه أقول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد