الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } إلى قوله { حَكِيمٌ } فيه ثمان مسائل: الأُولى ـ روى أبو داود والنَّسائيّ عن ٱبن عباس قال: لما أنزل الله تعالى:وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [الأنعام: 152] وإِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً } [النساء: 10] الآية، ٱنطلق مَن كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابَه من شرابه فجعل يُفضِل من طعامه فيحبس له، حتى يأكله أو يفسد فٱشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } الآية، فخلطوا طعامَهم بطعامه وشرابَهم بشرابه لفظ أبي داود. والآية متصلة بما قبلُ لأنه ٱقترن بذكر الأموال الأمر بحفظ أموال اليتامى. وقيل: إن السائل عبدُ الله بن رَوَاحة. وقيل: كانت العرب تتشاءم بملابسة أموال اليتامى في مؤاكلتهم فنزلت هذه الآية. الثانية ـ لما أذن الله جلّ وعزّ في مخالطة الأيتام مع قصد الإصلاح بالنظر إليهم وفيهم كان ذلك دليلاً على جواز التصرّف في مال اليتيم تَصرّف الوصيّ في البيع والقسمة وغير ذلك على الإطلاق لهذه الآية. فإذا كَفَل الرجلُ اليتيمَ وحازه وكان في نظره جاز عليه فعلُه وإن لم يقدّمه وَالٍ عليه لأن الآية مطلقةٌ والكفالةُ وِلاية عامة. لم يُؤْثَر عن أحد من الخلفاء أنه قدّم أحداً على يتيم مع وجودهم في أزمنتهم، وإنما كانوا يقتصِرون على كونهم عندهم. الثالثة ـ تواترت الآثار في دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة فيه، وفي جواز خلط ماله بماله دلالة على جواز التصرّف في ماله بالبيع والشراء إذا وافق الصلاح، وجوازِ دفعه مضاربة، إلى غير ذلك على ما نذكره مبيّناً. وٱختلف في عمله هو قِراضاً فمنعه أشهب، وقاسه على منعه من أن يبيع لهم من نفسه أو يشتَري لها. وقال غيره: إذا أخذه على جزء من الربح بنسبةِ قراضِ مثله فيه أُمضيَ كشرائه شيئاً لليتيم بتعَقُّب فيكون أحسنَ لليتيم. قال محمد ابن عبد الحكم: وله أن يبيع له بالدَّين إن رأى ذلك نظراً. قال ابن كنانة: وله أن يُنفق في عُرس اليتيم ما يَصلُح من صنيع وطِيب ومصلحتُه بقدر حاله وحال من يُزوَّج إليه، وبقدر كثرة ماله. قال: وكذلك في خِتانه: فإن خشى أن يُتَّهم رَفَع ذلك إلى السلطان فيأمره بالقصد وكل ما فعله على وجه النّظر فهو جائز، وما فعله على وجه المحاباة وسوء النّظر فلا يجوز. ودلّ الظاهرُ على أن وَلِيَّ اليتيم يعلِّمه أمرَ الدنيا والآخرة، ويستأجرُ له ويؤاجره ممن يُعلِّمه الصناعات. وإذا وُهب لليتيم شيء فللوصيِّ أن يَقبِضَه لما فيه من الإصلاح. وسيأتي لهذا مزيد بيان في «النساء» إن شاء الله تعالى.

السابقالتالي
2 3