الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } «يكاد» معناه يقارب يقال: كاد يفعل كذا إذا قارب ولم يفعل. ويجوز في غير القرآن: يكاد أن يفعل كما قال رؤُبة:
قد كاد من طُول البِلَى أن يَمْصَحا   
مشتق من المصح وهو الدرس. والأجود أن تكون بغير «أن» لأنها لمقاربة الحال، و «أن» تَصرف الكلام إلى الاستقبال، وهذا متناف قال الله عز وجل:يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } [النور: 43]. ومن كلام العرب: كاد النعام يطير، وكاد العروس يكون أميراً لقربهما من تلك الحال. وكاد فعلٌ متصرف على فَعِل يَفْعَل. وقد جاء خبره بالاسم وهو قليل، قال: «وَمَا كِدْتُ آئِبا». ويجري مجرى كاد كَرِب وجَعَل وقارب وطَفِق، في كون خبرها بغير «أن» قال الله عز وجل:وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 22] لأنها كلها بمعنى الحال والمقاربة والحال لا يكون معها «أن»، فٱعلم. قوله تعالى: { يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } الخطف: الأخذ بسرعة ومنه سُمّيَ الطير خُطّافاً لسرعته. فمن جعل القرآن مَثَلاً للتخويف فالمعنى أنّ خَوْفهم مما ينزل بهم يكاد يُذهب أبصارهم. ومن جعله مَثَلاً للبيان الذي في القرآن فالمعنى أنهم جاءهم من البيان ما بهرهم. ويَخْطَف ويَخْطِف لغتان قرىء بهما. وقد خطِفه بالكسر يَخْطَفُه خَطْفاً، وهي اللغة الجيدة، واللغة الأخرى حكاها الأخفش: خَطَف يَخْطِف. الجوهري: وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف. وقد قرأ بها يونس في قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفُ أَبْصَارَهُمْ }. وقال النحاس: في «يخطف» سبعة أوجه القراءة الفصيحة: يَخْطَف. وقرأ عليّ بن الحسين ويحيى بن وَثّاب: يخطِف بكسر الطاء قال سعيد الأخفش: هي لغة. وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجَحْدَرِيّ وأبو رجاء العُطَارِدي بفتح الياء وكسرِ الخاء والطاء. ورُوِي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بفتح الخاء. قال الفراء: وقرأ بعض أهل المدينة بإسكان الخاء وتشديد الطاء. قال الكسائي والأخفش والفراء: يجوز «يخطِف» بكسر الياء والخاء والطاء. فهذه ستة أوجه موافقة للخط. والسابعة حكاها عبد الوارث قال: رأيت في مصحف أبيّ بن كعب «يتخطف»، وزعم سيبويه والكسائي أن من قرأ «يخطِف» بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده يختطِف، ثم أدغم التاء في الطاء فٱلتقى ساكنان فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ومن فتح الخاء ألقى حركة التاء عليها. وقال الكسائي: ومن كسر الياء فلأن الألف في ٱختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين. قاله النحاس وغيره. قلت: وروي عن الحسن أيضاً وأبي رجاء «يَخِطَّف». قال ٱبن مجاهد: وأظنه غلطاً وٱستدل على ذلك بأن { خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } لم يقرأه أحد بالفتح. { أَبْصَارَهُمْ } جمع بَصَر، وهي حاسة الرؤية.

السابقالتالي
2 3