الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ }

قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ } تقدّم القول فيه. ولما كان العذاب تابعاً للضلالة وكانت المغفرة تابعةً للهدى الذي ٱطّرحوه دخلا في تجوّز الشراء. قوله تعالى: { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } مذهب الجمهور ـ منهم الحسن ومجاهد ـ أن «ما» معناه التعجب وهو مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: ٱعجبوا من صبرهم على النار ومُكثهم فيها. وفي التنزيل:قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [عبس: 17] وأَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } [مريم: 38] وبهذا المعنى صدر أبو عليّ. قال الحسن وقتادة وٱبن جبير والرّبيع: ما لهم والله عليها من صبر، ولكن ما أجرأهم على النار! وهي لغة يَمَنِيّة معروفة. قال الفَرّاء: أخبرني الكسائي قال: أخبرني قاضي اليمن أن خصمين ٱختصما إليه فوجبت اليمين على أحدهما فحلف فقال له صاحبه: ما أصبرك على الله؟ أي ما أجرأك عليه. والمعنى: ما أشجعهم على النار إذ يعملون عملاً يؤدّي إليها. وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار من قولهم: ما أصبر فلاناً على الحبس! أي ما أبقاه فيه. وقيل: المعنى فما أقلّ جزعهم من النار فجعل قلة الجزع صبراً. وقال الكسائي وقُطْرُب: أي ما أدْوَمهم على عمل أهل النار. وقيل: «ما» ٱستفهام معناه التوبيخ قاله ٱبن عباس والسدّي وعطاء وأبو عبيدة مَعْمَر بن المُثَنَّى، ومعناه: أيْ أيّ شيء صبرهم على عمل أهل النار؟ٰ وقيل: هذا على وجه الاستهانة بهم والاستخفاف بأمرهم.