الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ } سُمِّيَ السوء سوءاً لأنه يسوء صاحبه بسوء عواقبه. وهو مصدر ساءه يسوءه سُوءاً ومساءةً إذا أحزنه. وسُؤْته فسِيء إذا أحزنته فحزن قال الله تعالى:سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الملك: 27]. وقال الشاعر:
إن يك هذا الدهر قد ساءني   فطالما قد سَرَّني الدهر
الأمر عندي فيهما واحد   لذاك شكرٌ ولذاك صبر
والفحشاء أصله قبح المنظر كما قال:
وَجِيدٍ كجِيد الرِّيم ليس بفاحشٍ   
ثم ٱستعملت اللفظة فيما يقبح من المعاني. والشرع هو الذي يحسن ويقبح فكل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء. وقال مُقاتل: إن كل ما في القرآن من ذكر الفحشاء فإنه الزنى إلا قوله:ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } [البقرة: 268] فإنه منع الزكاة. قلت: فعلى هذا قيل: السوء ما لا حَدّ فيه، والفحشاء ما فيه حَدٌّ. وحكي عن ٱبن عباس وغيره والله تعالى أعلم. قوله تعالى: { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال الطبري: يريد ما حَرّموا من البَحِيرة والسّائبة ونحوها مما جعلوه شَرْعاً. { وَأَن تَقُولُواْ } في موضع خفض عطفاً على قوله تعالى: { بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ }.