الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

فيه أربع عشرة مسألة: الأولى: قال عطاء: لما نزلت { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } قالت كفار قريش: كيف يسع الناس إلٰه واحد! فنزلت { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }. ورواه سفيان عن أبيه عن أبي الضُّحى قال: لما نزلت { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } قالوا هل من دليل على ذلك؟ فأنزل الله تعالى { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فكأنهم طلبوا آية فبيّن لهم دليل التوحيد، وأن هذا العالم والبناء العجيب لا بدّ له من بان وصانع. وَجَمَعَ السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى. وَوَحّدَ الأرض لأنها كلها تراب والله تعالى أعلم. فآية السموات: ٱرتفاعها بغير عمد من تحتها ولا علائق من فوقها ودلّ ذلك على القدرة وخرق العادة. ولو جاء نبيّ فتُحدِّي بوقوف جبل في الهواء دون علاقة كان معجزاً. ثم ما فيها من الشمس والقمر والنجوم السائرة والكواكب الزاهرة شارقة وغاربة نَيّرة وممحّوة آية ثانية. وآية الأرض: بحارها وأنهارها ومعادنها وشجرها وسهلها ووعرها. الثانية: قوله تعالى: { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } قيل: اختلافهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر من حيث لا يعلم. وقيل: اختلافهما في الأوصاف من النور والظلمة والطول والقصر. والليل جمع ليلة مثل تَمَرة وتَمْر ونخلة ونخل. ويجمع أيضاً ليالي وليال بمعنىً، وهو مما شذّ عن قياس الجموع كشَبه ومشَابه وحاجة وحوائج وذكر ومذاكر وكأن ليالي في القياس جمع ليلاة. وقد ٱستعملوا ذلك في الشعر قال:
في كلِّ يوم وكل ليلاة   
وقال آخر:
في كلِّ يومٍ ما وكُلِّ لَيْلاه   حتى يقول كلُّ راءٍ إذ رآه
يَا وَيْحَهُ مِن جَمَلٍ ما أشقاه   
قال ٱبن فارس في المُجْمل: ويقال إن بعض الطير يسمى ليلا ولا أعرفه. والنهار يجمع نُهُر وأنْهِرَة. قال أحمد بن يحيى ثعلب: نَهَر جمع نُهُر وهو جمع الجمع للنهار، وقيل النهار ٱسم مفرد لم يجمع لأنه بمعنى المصدر، كقولك الضياء، يقع على القليل والكثير. والأوّل أكثر قال الشاعر:
لولا الثَّرِيدانِ هَلكْنا بالضُّمُرْ   ثريدُ لَيْلٍ وَثَرِيدٌ بالنُّهُرْ
قال ٱبن فارس: النهار معروف، والجمع نهر وأنهار. ويقال: إن النهار يجمع على النهر. والنهار: ضياء ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ورَجُل نَهِرٌ: صاحب نهار. ويقال: إن النّهار فَرْخ الحُبَارى. قال النَّضر بن شُمَيْل: أوّل النهار طلوع الشمس، ولا يُعَدَّ ما قبل ذلك من النهار. وقال ثعلب: أوّله عند العرب طلوع الشمس وٱستشهد بقول أُمَيّة بن أبي الصَّلْت:
والشمس تطلع كلَّ آخرِ ليلةٍ   حمراء يُصبح لوْنُهَا يتورّد
وأنشد قول عَدِيّ بن زيد:
وجاعلُ الشمسِ مِصْراً لا خفاءَ به   بين النهار وبين الليل قد فَصَلاَ
وأنشد الكسائي:
إذا طلعت شمس النهار فإنها   أمارة تسليمي عليك فسلِّمِي

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9