الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { مُّصِيبَةٌ } المصيبة: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه، يقال: أصابه إصابة ومُصابة ومُصاباً. والمصيبة واحدة المصائب. والمَصُوبة بضم الصاد مثل المصيبة. وأجمعت العرب على همز المصائب، وأصله الواو كأنهم شبّهوا الأصليّ بالزائد، ويجمع على مصاوب، وهو الأصل. والمصابُ الإصابةُ قال الشاعر:
أسُليم إنّ مُصابكم رجلاً   أهدَى السلام تحيةً ظُلْمُ
وصاب السهمُ القرطاسَ يَصيب صَيْباً لغة في أصابه. والمصيبة: النكبة ينكبها الإنسان وإن صغرت وتستعمل في الشر " روى عكرمة: أن مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم ٱنطفأ ذات ليلة فقال: «إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ» فقيل: أمصيبة هي يا رسول الله؟ قال: «نعم كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة» ". قلت: هذا ثابت معناه في الصحيح، خرّج مسلم عن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما يصيب المؤمن من وَصَب ولا نَصَب ولا سَقَم ولا حَزَن حتى الهَمِّ يُهَمُّه إلا كُفِّر به من سيئاته ". الثانية: خرّج ٱبن ماجه في سننه حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا وكيع بن الجرّاح عن هشام بن زياد عن أمه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث ٱسترجاعاً وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب ". الثالثة: من أعظم المصائب المصيبة في الدِّين ذكر أبو عمر عن الفِرْيَابيّ قال حدّثنا فِطْر بن خليفة حدّثنا عطاء بن أبي ربَاح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب " أخرجه السَّمرقندي أبو محمد في مسنده، أخبرنا أبو نعيم قال: أنبأنا فطر... فذكر مثله سواء. وأسند مثله عن مكحول مرسلاً. قال أبو عمر: وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة انقطع الوَحْي وماتت النبوّة. وكان أوّل ظهور الشر بٱرتداد العرب وغير ذلك، وكان أوّل ٱنقطاع الخير وأوّل نقصانه. قال أبو سعيد: ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا. ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول:
اصبِرْ لكل مصيبة وتَجلّدِ   وٱعلم بأن المرءَ غيرُ مُخَلَّدِ
أو مَا ترى أن المصائب جَمّةٌ   وترى المنّيةَ للعباد بمَرْصَدِ
مَن لم يُصَبْ ممن ترى بمصيبة؟   هذا سبيلٌ لستَ فيه بأوحد
فإذا ذكرتَ محمداً ومصابه   فٱذكر مصابك بالنبيّ محمد

السابقالتالي
2