قوله تعالى: { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } دَعت كلّ فرقة إلى ما هي عليه فردّ الله تعالى ذلك عليهم فقال: { بَلْ مِلَّةَ } أي قل يا محمد: بل نتّبع مِلّة فلهذا نصب المِلّة. وقيل: المعنى بل نهتدي بملّة إبراهيم فلما حذف حرف الجرّ صار منصوباً. وقرأ الأعرج وٱبن أبي عَبْلة: «بَلْ مِلَّةُ» بالرفع والتقدير بل الهدى مِلّةُ، أو مِلّتنا دين إبراهيم. و «حَنِيفاً» مائلاً عن الأديان المكروهة إلى الحق دين إبراهيم وهو في موضع نصب على الحال قاله الزجاج. أي بل نتبع ملّة إبراهيم في هذه الحالة. وقال علي بن سليمان: هو منصوب على أعني، والحال خطأ، لا يجوز جاءني غلام هندٍ مسرعة. وسُمِّيَ إبراهيم حنيفاً لأنه حَنِف إلى دين الله وهو الإسلام. والحَنَف: المَيْل ومنه رِجْلٌ حَنْفاء، ورَجُل أَحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها. قالت أمّ الأَحْنَف:
واللَّهِ لولا حَنَفٌ بِرجْلِه
ما كان في فِتيانكم مِن مِثلِه
وقال الشاعر:
إذا حوّل الظّل العشيّ رأيتَه
حَنِيفاً وفي قَرْن الضحى يَتنصّرُ
أي الحِرْباء تستقبل القِبْلة بالعشيّ، والمَشْرِقَ بالغداة، وهو قِبلة النصارى. وقال قوم: الحَنَف الاستقامة فسُمّيَ دين إبراهيم حنيفاً لاستقامته. وسُمّيَ المِعْوَجَ الرِّجلين أحنف تفاؤلاً بالاستقامة كما قيل للدّيغ سليم، وللمهلِكة مفازة في قول أكثرهم.