الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً } الواو واو العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام كما تدخل على الفاء في قوله:أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } [المائدة:50]،أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } [يونس: 42]،أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ } [الكهف: 50]. وعلى ثُمّ كقوله:أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } [يونس: 51] هذا قول سيبويه. وقال الأخفش: الواو زائدة. ومذهب الكسائي أنها أو، حُرّكت الواو منها تسهيلاً. وقرأها قوم أوْ، ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل كما يقول القائل: لأضربنك فيقول المجيب: أو يكفي الله. قال ٱبن عطية: وهذا كله متكلّف والصحيح قول سيبويه. «كلما» نصب على الظرف والمَعْنّي في الآية مالك بن الصّيف، ويقال فيه ٱبن الضيف كان قد قال: والله ما أخذ علينا عهدٌ في كتابنا أن نؤمن بمحمد ولا ميثاق فنزلت الآية. وقيل: إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمد لنؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب فلما بُعث كفروا به. وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها، كفعل قُريظة والنَّضير دليله قوله تعالى:ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } [الأنفال: 56]. قوله تعالى: { نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم } النبذ: الطرح والإلقاء ومنه النَّبيذ والمنبوذ، قال أبو الأسْود:
وخبّرني مَن كنت أرسلتُ إنما   أخذتَ كتابي معرضاً بشمالكا
نظرتَ إلى عنوانه فنبذتَه   كنبذك نعلاً أخلقتْ من نعالكا
آخر:
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا   نبذوا كتابك وٱستحلّوا المَحْرَمَا
وهذا مَثَل يُضَرب لمن ٱستخفّ بالشيء فلا يعمل به تقول العرب: ٱجعل هذا خَلْفَ ظهرك، ودَبْراً منك، وتحت قدمك أي ٱتركه وأعرض عنه قال الله تعالى:وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [هود: 92]. وأنشد الفراء:
تَميمُ بنُ زيد لا تكوننّ حاجتي   بظَهْرٍ فلا يَعْيَا عليّ جوابُها
{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ } ابتداء. { لاَ يُؤْمِنُونَ } فعل مستقبل في موضع الخبر.