الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ابتداء وخبر. والمرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائدهم. وذلك إما أن يكون شكاً ونفاقاً، وإما جَحْداً وتكذيباً. والمعنى: قلوبهم مرضى لخلوّها عن العصمة والتوفيق والرعاية والتأييد. قال ٱبن فارس اللغوي: المرض كل ما خرج به الإنسان عن حدّ الصحة من علّة أو نفاق أو تقصير في أمر. والقراء مجمعون على فتح الراء من «مَرَض» إلا ما روى الأصمعي عن أبي عمرو أنه سكّن الراء. قوله تعالى: { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } قيل: هو دعاء عليهم. ويكون معنى الكلام: زادهم الله شكًّا ونفاقاً جزاء على كفرهم وضعفاً عن الانتصار وعجزاً عن القدرة كما قال الشاعر:
يا مُرْسِلَ الرِّيح جَنوباً وصَبَا   إذْ غَضِبَتْ زيدٌ فزِدْها غضباً
أي لا تهدها على الانتصار فيما غضبت منه. وعلى هذا يكون في الآية دليل على جواز الدعاء على المنافقين والطرد لهم لأنهم شَرّ خلق الله. وقيل: هو إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم أي فزادهم الله مرضاً إلى مرضهم كما قال في آية أخرى:فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [التوبة:125]. وقال أرباب المعاني: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي بسكونهم إلى الدنيا وحبّهم لها وغفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عنها. وقوله: { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } أي وكَلَهم إلى أنفسهم، وجمع عليهم هموم الدنيا فلم يتفرّغوا من ذلك إلى ٱهتمامٍ بالدين. { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } بما يفنى عما يبقى. وقال الجُنَيْد: عِللُ القلوب من ٱتباع الهوى، كما أن علل الجوارح من مرض البدن. قوله تعالى: { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } «أليم» في كلام العرب معناه مؤلم أي موجِع، مثل السميع بمعنى المُسْمِع قال ذو الرُّمّة يصف إبلاً:
ونرفعُ من صُدورِ شَمَرْدَلاتٍ   يَصُكّ وجوهَها وَهَجٌ ألِيمُ
وآلم إذا أوْجع. والإيلام: الإيجاع. والألم: الوجع، وقد ألِم يألَم ألَماً. والتألُّم: التوجّع. ويجمع أليم على أُلَمَاء مثل كَريم وكُرَماء، وآلام مثل أشراف. قوله تعالى: { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } ما مصدرية أي بتكذيبهم الرسل وردّهم على الله جل وعز وتكذيبهم بآياته قاله أبو حاتم. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف ومعناه بكَذبِهم وقولهم آمنا وليسوا بمؤمنين. مسألة: وٱختلف العلماء في إمساك النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين مع علمه بنفاقهم على أربعة أقوال: القول الأوّل: قال بعض العلماء: إنما لم يقتلهم لأنه لا يعلم حالهم أحد سواه. وقد ٱتفق العلماء على بَكْرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه، وإنما ٱختلفوا في سائر الأحكام. قال ٱبن العربي: وهذا منتقض، فقد قُتِل بالمُجَذَّر بن زياد الحارثُ بن سُوَيد بن الصّامت لأن المُجَذَّر قتل أباه سُويداً يوم بُعاث فأسلم الحارث وأغفله يوم أُحد فقتله فأخبر به جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقتله به لأن قتله كان غِيلة، وقَتْل الغِيلة حَدٌّ من حدود الله.

السابقالتالي
2 3