الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } * { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } * { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } * { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً }

قوله تعالى: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله. وقرأ يحيـى والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم وخلف: «وُلْداً» بضم الواو وإسكان اللام، في أربعة مواضع: من هذه السورة قوله تعالى:لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } [مريم: 77] وقد تقدّم، وقوله: «أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وُلْداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وُلْداً». وفي سورة نوح:مَالُهُ وَوَلَدُهُ } [نوح: 21]. ووافقهم في «نوح» خاصة ابن كثير ومجاهد وحميد وأبو عمرو ويعقوب. والباقون في الكل بالفتح في الواو واللام، وهما لغتان مثل العَرب والعُرب والعَجم والعُجم. قال:
ولقد رأيت معاشرا   قد ثَمَّرُوا مالاً ووُلْدا
وقال آخر:
وليتَ فلاناً كان في بطنِ أمِّهِ   وليت فلاناً كان وُلْد حمارِ
وقال في معنى ذلك النابغة:
مَهْلاً فداءً لكَ الأقوامُ كلُّهم   وما أُثَمِّر من مالٍ ومِن وَلَدِ
ففتح. وقيس يجعلون الوُلْد بالضم جمعا والوَلَد بالفتح واحداً. قال الجوهري: الوَلَد قد يكون واحداً وجمعاً، وكذلك الوُلْد بالضم. ومن أمثال بني أسد: وُلْدُكِ من دَمَّى عَقِبيْكِ. وقد يكون الوُلْد جمع الوَلد مثل أُسْد وأسد: والوِلد بالكسر لغة في الوُلْد. النحاس: وفرق أبو عبيد بينهما فزعم أن الوَلَد يكون للأهل والوَلَد جميعاً. قال أبو جعفر: وهذا قول مردود لا يعرفه أحد من أهل اللغة ولا يكون الوَلَد والوُلْد إلا ولد الرجل، ووَلَد وَلَده، إلا أن وَلَداً أكثر في كلام العرب كما قال:
مَهْلاً فداءً لَكَ الأقوامُ كلُّهم   وما أُثَمِّر مِنْ مالٍ ومن وَلَدِ
قال أبو جعفر وسمعت محمد بن الوليد يقول: يجوز أن يكون وُلْد جمع وَلَد، كما يقال وَثَن ووُثْن وأَسَد وأُسْد، ويجوز أن يكون وَلَد ووُلْد بمعنى واحد كما يقال عَجَم وَعُجْم وعَرَب وعُرْب كما تقدّم. قوله تعالى: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } أي منكراً عظيماً عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. قال الجوهري: الإِدّ والإِدّة الداهِية والأمر الفظيع ومنه قوله تعالى: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } وكذلك الآدُّ مثل فاعل. وجمع الإدة إِدَدٌ. وأَدَّت فلاناً داهِيةٌ تؤدُّه أَدًّا بالفتح والإِدُّ أيضاً الشدّة. والآدُّ الغلبة والقوة قال الراجز:
نَضَوْنَ عَنّي شدَّةً وأَدًّا   من بَعْدِ ما كنْتُ صُمُلاًّ جَلْداً
انتهى كلامه. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي «أَدًّا» بفتح الهمزة. النحاس: يقال أد يؤد أدًّا فهو آد والاسم الإدّ إذا جاء بشيء عظيم منكر. وقال الراجز:
قد لَقِي الأقران مِنِّي نُكْرَا   داهِيةً دهياء إِدًّا إِمْراً
عن غير النحاس الثعلبي: وفيه ثلاث لغات «إدًّا» بالكسر وهي قراءة العامة، «وأَدًّا» بالفتح وهي قراءة السُّلَمي، و«آدٌّ» مثل مادّ، وهي لغة لبعض العرب رويت عن ابن عباس وأبي العالية وكأنها مأخوذة من الثقل يقال: آدَه الحمل يَأُوده أَوْداً أثقله. قوله تعالى: { تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ } قراءة العامة هنا وفي «الشورى» بالتاء.

السابقالتالي
2 3