الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } * { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } * { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } * { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } * { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي سلطناهم عليهم بالإغواء، وذلك حين قال لإبليس:وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [الإسراء: 64]. وقيل: «أرسلنا» أي خلينا يقال: أرسلت البعير أي خليته، أي خلينا الشياطين وإياهم ولم نعصمهم من القبول منهم. الزجاج: قَيَّضنا. { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } قال ابن عباس: تزعجهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية. وعنه: تغريهم إغراء بالشر: امض امض في هذا الأمر، حتى توقعهم في النار. حكى الأول الثعلبي، والثاني الماوردي، والمعنى واحد. الضحاك: تغويهم إغواء. مجاهد: تشليهم إشلاء، وأصله الحركة والغَلَيان، ومنه الخبر المرويّ " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قام إلى الصلاة ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجل من البكاء» " وائتزت القِدر ائتزازاً اشتد غليانها. والأَزُّ التّهييج والإغراء، قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } أي تغريهم على المعاصي. والأز الاختلاط. وقد أززت الشيء أؤزّه أزًّا أي ضممتُ بعضه إلى بعض. قاله الجوهري. قوله تعالى: { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ } أي تطلب العذاب لهم. { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } قال الكلبي: آجالهم يعني الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب. وقال الضحاك: الأنفاس. ابن عباس: أي نعدّ أنفاسهم في الدنيا كما نعدّ سنيهم. وقيل: الخطوات. وقيل: اللذات. وقيل: اللحظات. وقيل: الساعات. وقال قطرب: تعدّ أعمالهم عدًّا. وقيل: لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثماً. روي: أن المأمون قرأ هذه السورة، فمرّ بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء، فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه، فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد. وقيل في هذا المعنى:
حياتُك أنفاسٌ تُعدّ فكلّما   مَضَى نَفَسٌ منك انتقصت به جُزْءَا
يميتك ما يحييك في كل ليلة   ويَحدُوك حَادٍ ما يُريد به الهُزءا
ويقال: إن أنفاس ابن آدم بين اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس: اثنا عشر ألف نفس في اليوم، واثنا عشر ألفاً في الليلة ـ والله أعلم ـ فهي تعد وتحصى إحصاء، ولها عدد معلوم، وليس لها مدد، فما أسرع ما تنفد. قوله تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } في الكلام حذف، أي إلى جنة الرحمن، ودار كرامته. كقوله:إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الصافات: 99] وكما في الخبر: " من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " والوفد اسم للوافدين، كما يقال: صَوْم وفَطْر وزَوْر فهو جمع الوافد، مثل رَكْب وراكب وصَحْب وصاحب، وهو من وفد يفد وَفْداً ووفوداً ووفِادة، إذا خرج إلى ملك في فتح أو أمر خطير. الجوهري: يقال وفد فلان على الأمير، أي ورد رسولاً فهو وافد، والجمع وفد مثل صاحب وصَحْب، وجمع الوفد وِفاد ووفود، والاسم الوِفادة وأوفدته أنا إلى الأمير، أي أرسلته.

السابقالتالي
2 3 4