الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } * { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً }

قوله تعالى: { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } يعني مشركي قريش. و«عِزًّا» معناه أعواناً ومنعة يعني أولاداً. والعِزّ المطر الجُودُ أيضاً قاله الهروي. وظاهر الكلام أن «عِزًّا» راجع إلى الآلهة التي عبدوها من دون الله. ووحد لأنه بمعنى المصدر أي لينالوا بها العز ويمتنعون بها من عذاب الله فقال الله تعالى: { كَلاَّ } أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا بل يكفرون بعبادتهم أي ينكرون أنهم عبدوا الأصنام، أو تجحد الآلهة عبادة المشركين لها كما قال:تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [القصص: 63]. وذلك أن الأصنام جمادات لا تعلم العبادة. { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } أي أعواناً في خصومتهم وتكذيبهم. عن مجاهد والضحاك: يكونون لهم أعداء. ابن زيد: يكونون عليهم بلاء فتحشر آلهتهم، وتركب لهم عقول فتنطق، وتقول: يا رب عذِّبْ هؤلاء الذين عبدونا من دونك. و«كلا» هنا يحتمل أن تكون بمعنى لا، ويحتمل أن تكون بمعنى حقًّا أي حقاً «سيكفرون بِعِبادتهِم». وقرأ أبو نهيك: «كَلاًّ سيكفرون» بالتنوين. وروي عنه مع ذلك ضم الكاف وفتحها. قال المهدوي: «كلا» ردع وزجر وتنبيه ورد لكلام متقدم، وقد تقع لتحقيق ما بعدها والتنبيه عليه كقوله:كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } [العلق: 6] فلا يوقف عليها على هذا، ويوقف عليها في المعنى الأول فإن صلح فيها المعنيَان جميعاً جاز الوقف عليها والابتداء بها. فمن نوّن «كلا» من قوله: { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } مع فتح الكاف فهو مصدر كَلَّ ونصبه بفعل مضمر والمعنى كَلَّ هذا الرأي والاعتقاد كَلاًّ، يعني اتخاذهم الآلهة «لِيكونوا لهم عِزا» فيوقف على هذا على «عِزا» وعلى «كَلاًّ». وكذلك في قراءة الجماعة، لأنها تصلح للرد لما قبلها، والتحقيق لما بعدها. ومن روى ضم الكاف مع التنوين، فهو منصوب أيضاً بفعل مضمر، كأنه قال: سيكفرون «كُلاًّ سيكفرون بِعِبادتهِم» يعني الآلهة. قلت: فتحصل في «كلاّ» أربعة معان: التحقيق وهو أن تكون بمعنى حقاً، والنفي، والتنبيه، وصلة للقسم، ولا يوقف منها إلا على الأول. وقال الكسائي: «لا» تنفي فحسب، و«كلا» تنفي شيئاً وتثبت شيئاً، فإذا قيل: أكلت تمراً، قلت: كلا إني أكلت عسلاً لا تمراً، ففي هذه الكلمة نفي ما قبلها، وتحقق ما بعدها. والضد يكون واحداً ويكون جمعاً، كالعدوّ والرسول. وقيل: وقع الضد موقع المصدر أي ويكونون عليهم عوناً فلهذا لم يجمع، وهذا في مقابلة قوله: «لِيكونوا لهم عِزاً» والعز مصدر، فكذلك ما وقع في مقابلته. ثم قيل: الآية في عبدة الأصنام، فأجرى الأصنام مجرى من يعقل جرياً على توهم الكفرة. وقيل: فيمن عبد المسيح أو الملائكة أو الجن أو الشياطين فالله تعالى أعلم.