الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } * { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } * { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } * { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }

قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } روى الأئمة ـ واللفظ لمسلم ـ عن خباب قال كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد. قال: فقلت له: لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث. قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. قال وكيع: كذا قال الأعمش فنزلت هذه الآية: { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } إلى قوله: «ويأتينا فرداً». في رواية قال: كنت قَيْناً في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملاً، فأتيته أتقاضاه. خرجه البخاري أيضاً. وقال الكلبي ومقاتل: كان خباب قيناً فصاغ للعاص حلياً ثم تقاضاه أجرته، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال خباب: لست بمفارقك حتى تقضيني فقال العاص: يا خباب ما لك؟! ما كنت هكذا، وأن كنت لحسن الطلب. فقال خباب: إني كنت على دينك فأما اليوم فأنا على دين الإسلام مفارق لدينك. قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً؟ قال خباب: بلى. قال: فأخرني حتى أقضيك في الجنة ـ استهزاء ـ فوالله لئن كان ما تقول حقاً إني لأقضيك فيها، فوالله لا تكون أنت يا خباب وأصحابك أولى بها مني، فأنزل الله تعالى { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } يعني العاص بن وائل الآيات. { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ } قال ابن عباس: أنظر في اللوح المحفوظ؟ٰ. وقال مجاهد: أعلم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟! { أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } قال قتادة والثوريّ: أي عملاً صالحاً. وقيل: هو التوحيد. وقيل: هو من الوعد. وقال الكلبي: عاهد الله تعالى أن يدخله الجنة. { كَلاَّ } ردٌّ عليه أي لم يكن ذلك لم يطلع الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهداً، وتم الكلام عند قوله: «كَلاَّ». وقال الحسن: إن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة. والأول أصح لأنه مدوّن في الصحاح. وقرأ حمزة والكسائي «وَوُلْداً» بضم الواو، والباقون بفتحها. واختلف في الضم والفتح على وجهين: أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد، يقال وَلد ووُلْد كما يقال عَدَم وعُدْم. وقال الحارث بن حِلِّزة:
ولقد رأيتُ معاشراً   قد ثَمَّرُوا مَالاً ووُلْدَاً
وقال آخر:
فليتَ فلاناً كان في بطن أُمِّه   وليت فلاناً كان وُلْدَ حِمارِ
والثاني: أن قيساً تجعل الوُلد بالضم جمعاً والولد بالفتح واحداً. قال الماوردي: وفي قوله تعالى: { لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } وجهان: أحدهما: أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته قاله الكلبي. الثاني: أنه أراد في الدنيا، وهو قول الجمهور وفيه وجهان محتملان: أحدهما: إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتي لأوتين مالاً وولداً. الثاني: ولو كنت على باطل لما أوتيت مالاً وولداً.

السابقالتالي
2