الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

قوله تعالى: { وَيَقُولُ ٱلإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } الإنسان هنا أبيّ بن خلف، وجد عظاماً بالية ففتتها بيده، وقال: زعم محمد أنا نبعث بعد الموت قاله الكلبي ذكره الواحدي والثعلبي والقشيري. وقال المهدوي: نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه، وهو قول ابن عباس. واللام في «لسوف أخرج حيا» للتأكيد. كأنه قيل له: إذا ما مت لسوف تبعث حياً فقال: «أئذا ما مت لسوف أخرج حياً»! قال: ذلك منكراً فجاءت اللام في الجواب كما كانت في القول الأول، ولو كان مبتدئاً لم تدخل اللام لأنها للتأكيد والإيجاب وهو منكر للبعث. وقرأ ابن ذكوان «إذا ما مِت» على الخبر. والباقون بالاستفهام على أصولهم في الهمز. وقرأ الحسن وأبو حيوة «لَسَوْفَ أَخْرُجُ حَيًّا» قاله استهزاء لأنهم لا يصدقون بالبعث. والإنسان هاهنا الكافر. قوله تعالى: { أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ } أي أولا يذكر هذا القائل { أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ } أي من قبل سؤاله وقوله هذا القول { وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } فالإعادة مثل الابتداء فلم يناقض. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً، وأهل مكة وأبو عمرو وأبو جعفر «أَوَلاَ يَذَّكَّرُ». وقرأ شيبة ونافع وعاصم { أَوَلاَ يَذْكُرُ } بالتخفيف. والاختيار التشديد وأصله يتذكر لقوله تعالى: إنما يتذكر أولو الألباب» وأخواتها. وفي حرف أبيّ «أَوَلاَ يَتَذَكَّرُ» وهذه القراءة على التفسير لأنها مخالفة لخط المصحف. ومعنى «يَتَذَكَّرُ» يتفكر، ومعنى «يَذْكُرُ» يتنبه ويعلم قاله النحاس. قوله تعالى: { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ } أقسم بنفسه بعد إقامة الحجة بأنه يحشرهم من قبورهم إلى المعاد كما يحشر المؤمنين. { وَٱلشَّيَاطِينَ } أي ولنحشرن الشياطين قرناء لهم. قيل: يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة كما قال:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [الصافات: 22]. الزمخشري: والواو في «والشَّياطِين» يجوز أن تكون للعطف وبمعنى مع، وهي بمعنى مع أوقع. والمعنى أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرنون كل كافر مع شيطان في سلسلة. فإن قلت هذا إذا أريد بالإنسان الكفرة خاصة، فإن أريد الأناسي على العموم فكيف يستقيم حشرهم مع الشياطين؟ قلت: إذا حشر جميع الناس حشراً واحداً وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين، فقد حشروا مع الشياطين كما حشروا مع الكفرة. فإن قلت: هلا عزل السعداء عن الأشقياء في الحشر كما عزلوا عنهم في الجزاء؟ قلت: لم يفرق بينهم في المحشر، وأحضروا حيث تجاثوا حول جهنم، وأوردوا معهم النار ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله منها وخلصهم، فيزدادوا لذلك غبطة، وسروراً إلى سرور، ويشمتوا بأعداء الله تعالى وأعدائهم فتزداد مساءتهم وحسرتهم، وما يغظيهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم. فإن قلت: ما معنى إحضارهم جثياً؟ قلت: أما إذا فسر الإنسان بالخصوص فالمعنى أنهم يعتلون من المحشر إلى شاطىء جهنم عَتْلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف، جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8