الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }

روى الترمذي عن ابن عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ما منعك أن تزورنا أكثر مِما تزورنا» قال: فنزلت هذه الآية { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } إلى آخر الآية " قال هذا حديث حسن غريب. ورواه البخاري: حدّثنا خلاد بن يحيـى حدّثنا عمر بن ذرّ قال: سمعت أبي يحدّث عن سعيد بن جبير " عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } » الآية قال: كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم " وقال مجاهد: " أبطأ الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه، فقال: «ما الذي أبطأك» قال: كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم، ولا تأخذون من شواربكم، ولا تُنَقُّون رَوَاجِبَكم، ولا تستاكون قال مجاهد: فنزلت الآية في هذا " وقال مجاهد أيضاً وقتادة وعكرمة والضحاك ومقاتل والكلبي: احتبس جبريل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيبهم، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ما سألوا عنه قال عكرمة: فأبطأ عليه أربعين يوماً. وقال مجاهد: اثنتي عشرة ليلة. وقيل: خمسة عشر يوماً وقيل: ثلاثة عشر. وقيل: ثلاثة أيام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " «أبطأت عليّ حتى ساء ظني واشتقت إليك» فقال جبريل عليه السلام: إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت، وإذا حُبست احتبست " ، فنزلت الآية: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } وأنزلوَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [الضحى: 1 ـ 3]. ذكره الثعلبي والواحدي والقشيري وغيرهم. وقيل: هو إخبار من أهل الجنة أنهم يقولون عند دخولها: وما نتنزل هذه الجنان إلا بأمر ربك. وعلى هذا تكون الآية متصلة بما قبل. وعلى ما ذكرنا من الأقوال قيل: تكون غير متصلة بما قبلها، والقرآن سور، ثم السور تشتمل على جمل، وقد تنفصل جملة عن جملة. «وَمَا نَتَنَزَّلُ» أي قال الله تعالى: قل يا جبريل { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ }. وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: إنا إذا أمرنا نَزَلنا عليك. الثاني: إذا أمرك ربك نزّلنا عليك، فيكون الأمر على الوجه الأوّل متوجهاً إلى النزول، وعلى الوجه الثاني متوجهاً إلى التنزيل. وقوله تعالى: { لَهُ } أي لله. { مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } أي علم ما بين أيدينا { وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } قال ابن عباس وابن جريج: ما مضى أمامنا من أمر الدنيا، وما يكون بعدنا من أمرها وأمر الآخرة «وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ» البرزخ.

السابقالتالي
2