الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ } اختلف فيه فقيل: هو إسماعيل بن حزقيل، بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه، فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم، فاستعفاه ورضي بثوابه، وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته. والجمهور أنه إسماعيل الذبيح أبو العرب بن إبراهيم. وقد قيل: إن الذبيح إسحاق والأول أظهر على ما تقدّم ويأتي في «والصافات» إن شاء الله تعالى. وخصه الله تعالى بصدق الوعد وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً له وإكراماً، كالتلقيب بنحو الحليم والأواه والصدّيق ولأنه المشهور المتواصف من خصاله. الثانية: صدق الوعد محمود وهو من خلق النبيين والمرسلين، وضدّه وهو الخلف مذموم، وذلك من أخلاق الفاسقين والمنافقين على ما تقدّم بيانه في «براءة». وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل فوصفه بصدق الوعد. واختلف في ذلك فقيل: إنه وعد من نفسه بالصبر على الذبح فصبر حتى فدي. هذا في قول من يرى أنه الذبيح. وقيل: وعد رجلاً أن يلقاه في موضع فجاء إسماعيل وانتظر الرجل يومه وليلته، فلما كان في اليوم الآخر جاء فقال له ما زلت هاهنا في انتظارك منذ أمس. وقيل: انتظره ثلاثة أيام. وقد فعل مثله نبينا صلى الله عليه وسلم قبل بعثه ذكره النقاش وخرجه الترمذي وغيره عن عبد الله بن أبي الحَمْساء قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام، فجئت فإذا هو في مكانه فقال: " يا فتى لقد شققت عليّ أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك " لفظ أبي داود. وقال يزيد الرقاشي: انتظره إسماعيل اثنين وعشرين يوماً ذكره الماورديّ. وفي كتاب ابن سلام أنه انتظره سنة. وذكره الزمخشري عن ابن عباس أنه وعد صاحباً له أن ينتظره في مكان فانتظره سنة. وذكره القشيري قال: فلم يبرح من مكانه سنة حتى أتاه جبريل عليه السلام فقال: إن التاجر الذي سألك أن تقعد له حتى يعود هو إبليس فلا تقعد ولا كرامة له. وهذا بعيد ولا يصح. وقد قيل: إن إسماعيل لم يَعِد شيئاً إلا وَفَّى به، وهذا قول صحيح، وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية والله أعلم. الثالثة: من هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: " العِدة دَيْن " وفي الأثر «وأي المؤمن واجب» أي في أخلاق المؤمنين. وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضاً لإجماع العلماء على ما حكاه أبو عمر أن من وعد بمال ما كان ليَضْرِب به مع الغرماء فلذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن مع المروءة، ولا يقضى به.

السابقالتالي
2