قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } المعنى: واذكر في الكتاب الذي أنزل عليك وهو القرآن قصة إبراهيم وخبره. وقد تقدّم معنى الصدّيق في «النساء» واشتقاق الصدق في «البقرة» فلا معنى للإعادة. ومعنى الآية: اقرأ عليهم يا محمد في القرآن أمر إبراهيم فقد عرفوا أنهم من ولده، فإنه كان حنيفاً مسلماً وما كان يتخذ الأنداد، فهؤلاء لم يتخذون الأنداد؟! وهو كما قال:{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [البقرة: 130]. قوله تعالى: { إِذْ قَالَ لاَّبِيهِ } وهو آزر وقد تقدّم. { يٰأَبَتِ } قد تقدّم القول فيه في «يوسف» { لِمَ تَعْبُدُ } أي لأي شيء تعبد: { مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } يريد الأصنام. { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } أي من اليقين والمعرفة بالله وما يكون بعد الموت، وأن من عبد غير الله عذب { فَٱتَّبِعْنِيۤ } إلى ما أدعوك إليه. { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } أي أرشدك إلى دين مستقيم فيه النجاة. { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } أي لا تطعه فيما يأمرك به من الكفر، ومن أطاع شيئاً في معصية فقد عبده. { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } «كان» صلة زائدة. وقيل: كان بمعنى صار. وقيل: بمعنى الحال أي هو للرحمن. وعصيا وعاصٍ بمعنى واحد قاله الكسائي. { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي إن متَّ على ما أنت عليه. ويكون «أَخَافُ» بمعنى أعلم. ويجوز أن يكون «أَخَافُ» على بابها فيكون المعنى: إني أخاف أن تموت على كفرك فيمسك العذاب. { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } أي قريناً في النار. { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ } أي أترغب عنها إلى غيرها. { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } قال الحسن: يعني بالحجارة. الضحاك: بالقول أي لأشتمنك. ابن عباس: لأضربنك. وقيل: لأظهرن أمرك. { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً }. قال ابن عباس: أي اعتزلني سالم العرض لا يصيبنَّك مني معرّة واختاره الطبري، فقوله: «ملياً» على هذا حال من إبراهيم. وقال الحسن ومجاهد: «ملياً» دهراً طويلاً ومنه قول المهلهل:
فَتَصدَّعَتْ صُمُّ الجبالِ لموته
وبَكَت عليه المُرْمِلاَتُ مليًّا
قال الكسائي: يقال هجرته مليًّا ومَلْوة ومُلْوة ومَلاَوة ومُلاَوة، فهو على هذا القول ظرف، وهو بمعنى الملاوة من الزمان، وهو الطويل منه. قوله تعالى: { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ } لم يعارضه إبراهيم عليه السلام بسوء الرد لأنه لم يؤمر بقتاله على كفره. والجمهور على أن المراد بسلامه المسالمة التي هي المتاركة لا التحية قال الطبري: معناه أمنة مني لك. وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام. وقال النقاش: حليم خاطب سفيهاً كما قال:{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63]. وقال بعضهم في معنى تسليمه: هو تحية مفارق وجوز تحية الكافر وأن يبدأ بها.