الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

قوله تعالى: { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } أي ذلك الذي ذكرناه عيسى ابن مريم فكذلك اعتقدوه، لا كما تقول اليهود إنه لغير رشدة، وأنه ابن يوسف النجار، ولا كما قالت النصارى: إنه الإلٰه أو ابن الإلٰه. { قَوْلُ ٱلْحَقِّ } قال الكسائي: «قَوْلُ الْحَقِّ» نعت لعيسى أي ذلك عيسى ابن مريم قَوْلُ الحَقِّ. وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله والحق هو الله عز وجل. وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق. وقيل: التقدير هذا الكلام قول الحق. قال ابن عباس: يريد هذا كلام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم قول الحق ليس بباطل وأضيف القول إلى الحق كما قال:وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } [الأحقاف: 16] أي الوعد الصدق. وقال:وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } [يوسف: 109] أي ولا الدار الآخرة. وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر «قَوْلَ الْحَقِّ» بالنصب على الحال أي أقول قولاً حقاً. والعامل معنى الإشارة في «ذلك». الزجاج: هو مصدر أي أقول قول الحق لأن ما قبله يدل عليه. وقيل: مدح. وقيل: إغراء. وقرأ عبد الله «قَالُ الحقِّ». وقرأ الحسن «قُولُ الحقِّ» بضم القاف، وكذلك في «الأنعام» «قَوْلُهُ الْحَقُّ». والقَوْلُ والقَالُ والقُولُ بمعنى واحد، كالرَّهْب والرَّهَب والرُّهْبِ. { ٱلَّذِي } من نعت عيسى. { فِيهِ يَمْتُرُونَ } أي يشكون أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون القول الحق. وقيل: «يمترون» يختلفون. ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } قال: اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج كل قوم عالمهم فامتروا في عيسى حين رفع فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية. فقالت الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، قال: هو ابن الله وهم النّسطورية، فقال الاثنان كذبت، ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه، فقال: هو ثالث ثلاثة، الله إلٰه وهو إلٰه، وأمه إله، وهم الإسرائيلية ملوك النصارى. قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون، فكان لكل رجل منهم أتباع ـ على ما قال ـ فاقتتلوا فظُهِر على المسلمين، فذلك قول الله تعالى:وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } [آل عمران: 21]. وقال قتادة: وهم الذين قال الله تعالى فيهم: { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً فهذا معنى قوله: «الذي فيه تمترون» بالتاء المعجمة من فوق وهي قراءة أبي عبد الرحمن السُّلَمي وغيره. قال ابن عباس: فمر بمريم ابن عمها ومعها ابنها إلى مصر فكانوا فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه ذكره الماوردي.

السابقالتالي
2 3 4