الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

قوله تعالى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } وهما جبلان من قبل أرمينية وأَذْرَبِيجان. روى عطاء الخراساني عن ابن عباس: «بين السدين» الجبلين أرمينية وأَذْرَبِيجان. { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا } أي من ورائهما: { قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }. وقرأ حمزة والكسائي «يُفْقِهُونَ» بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان أي لا يفقهون غيرهم كلاماً. الباقون بفتح الياء والقاف، أي يعلمون. والقراءتان صحيحتان، فلا هم يفقهون من غيرهم ولا يفقِهون غيرهم. قوله تعالى: { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } أي قالت له أمة من الإنس صالحة: { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ }. قال الأخفش: من همز «يأجوج» فجعل الألفين من الأصل يقول: يأجوج يَفْعول ومأجوج مَفْعول كأنه من أجيج النار. قال: ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول: «ياجوج» من يَجَجت وماجوج من مَجَجت وهما غير مصروفين قال رؤبة:
لو أن ياجوجَ وماجوجَ مَعَا   وَعادَ عادٌ واستجاشوا تُبَّعَا
ذكره الجوهري. وقيل: إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث. وقالت فرقة: هو معرب من أَجَّ وأَجَّجَ علتاه في منع الصرف التعريف والتأنيث. وقال أبو عليّ: يجوز أن يكونا عربيين فمن همز «يأجوج» فهو على وزن يفعول مثل يربوع، من قولك أَجَّت النارُ أي ضويت، ومنه الأجيج، ومنه ملح أجاج، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفاً مثل راس، وأما «مأجوج» فهو مفعول من أَجَّ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة، ويجوز أن يكون فاعولاً من مَجَّ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة. واختلف في إفسادهم فقال سعيد بن عبد العزيز: إفسادهم أكل بني آدم. وقالت فرقة: إفسادهم إنما كان متوقعاً، أي سيفسدون، فطلبوا وجه التحرز منهم. وقالت فرقة: إفسادهم هو الظلم والغَشْم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر، والله أعلم. وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم من ولد يافث. روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان " وقال كعب الأحبار: احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسِف فخلقوا من ذلك الماء، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم. وهذا فيه نظر لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لا يحتلمون، وإنما هم من ولد يافث، وكذلك قال مقاتل وغيره. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7