الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً }

وهي عند أبي حاتم على حذف التنوين لالتقاء الساكنين مثل «فَلَهُ جَزَاءُ الْحُسْنَى» في أحد الوجهين في الرّفع. النحاس: وهذا عند غيره خطأ لأنه ليس موضع حذف تنوين لالتقاء الساكنين، ويكون تقديره: فله الثواب جزاءَ الحسنى. قوله تعالى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } تقدّم معناه أن أتبع واتّبع بمعنى، أي سلك طريقاً ومنازل. { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ } وقرأ مجاهد وابن محيصن بفتح الميم واللام يقال: طَلعَت الشمسُ والكواكب طُلوعاً ومطلَعاً. والمطلَع والمطلِع أيضاً موضع طلوعها قاله الجوهري. المعنى أنه انتهى إلى موضع قوم لم يكن بينهم وبين مطلع الشمس أحد من الناس. والشمس تطلع وراء ذلك بمسافة بعيدة، فهذا معنى قوله تعالى: { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ }. وقد اختلف فيهم فعن وهب بن منبه ما تقدّم، وأنها أمة يقال لها منسك وهي مقابلة ناسك وقاله مقاتل. وقال قتادة: يقال لهما الزنج. وقال الكلبي: هم تارس وهاويل ومنسك حفاة عراة عماة عن الحق، يتسافدون مثل الكلاب، ويتهارجون تهارج الحمر. وقيل: هم أهل جَابَلْق، وهم من نسل مؤمني عاد الذين آمنوا بهود، ويقال لهم بالسريانية مرقيسا. والذين عند مغرب الشمس هم أهل جَابَرْس ولكل واحدة من المدينتين عشرة آلاف باب، بين كل بابين فرسخ. ووراء جَابَلْق أمم، وهم تافيل وتارس، وهم يجاورون يأجوج ومأجوج. وأهل جَابَرْس وجَابَلْق آمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام مر بهم ليلة الإسراء فدعاهم فأجابوه، ودعا الأمم الآخرين فلم يجيبوه ذكره السهيلي وقال: اختصرت هذا كله من حديث طويل رواه مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورواه الطبري مسنداً إلى مقاتل يرفعه والله أعلم. قوله تعالى: { لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } أي حجاباً يستترون منها عند طلوعها. قال قتادة: لم يكن بينهم وبين الشمس ستر كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء، وهم يكونون في أسراب لهم، حتى إذا زالت الشمس عنهم رجعوا إلى معايشهم وحروثهم يعني لا يستترون منها بكهف جبل ولا بيت يكنهم منها. وقال أمية: وجدت رجالاً بسمرقند يحدّثون الناس، فقال بعضهم: خرجت حتى جاوزت الصين، فقيل لي: إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة، فاستأجرت رجلاً يرينيهم حتى صبحتهم، فوجدت أحدهم يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى، وكان صاحبي يحسن كلامهم، فبتنا بهم، فقالوا: فيم جئتم؟ قلنا: جئنا ننظر كيف تطلع الشمس فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة، فغشي عليّ، ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن، فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي على الماء كهيئة الزيت، وإذا طرف السماء كهيئة الفسطاط، فلما ارتفعت أدخلوني سرباً لهم، فلما ارتفع النهار وزالت الشمس عن رؤوسهم خرجوا يصطادون السمك، فيطرحونه في الشمس فينضج. وقال ابن جريج: جاءهم جيش مرة، فقال لهم أهلها: لا تطلع الشمس وأنتم بها، فقالوا: ما نبرح حتى تطلع الشمس. قالوا: ما هذه العظام؟ قالوا: هذه والله عظام جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا. قال: فولوا هاربين في الأرض. وقال الحسن: كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر، وكانت لا تحمل البناء، فإذا طلعت عليهم الشمس نزلوا في الماء، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا، فيتراعون كما تتراعى البهائم. قلت: وهذه الأقوال تدل على أن لا مدينة هناك. والله أعلم. وربما يكون منهم من يدخل في النهر، ومنهم من يدخل في السّرب فلا تناقض بين قول الحسن وقتادة.

PreviousNext
1 2 3 4 5