الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً }

مذهب سيبويه أن «أم» إذا جاءت دون أن يتقدّمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام، وهي المنقطعة. وقيل: «أم» عطف على معنى الاستفهام في لعلك، أو بمعنى ألف الاستفهام على الإنكار. قال الطبري: وهو تقرير للنبيّ صلى الله عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجباً، بمعنى إنكار ذلك عليه أي لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشيع هذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق. والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك أن المشركين سألوه عن فتية فقدوا، وعن ذي القرنين وعن الروح، وأبطأ الوحي على ما تقدّم. فلما نزل قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: أحسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجباً أي ليسوا بعجب من آياتنا، بل في آياتنا ما هو أعجب من خبرهم. الكلبي: خَلْقُ السموات والأرض أعجبُ من خبرهم. الضحاك: ما أطلعتك عليه من الغيب أعجب. الجنيد: شأنك في الإسراء أعجب. الماورديّ: معنى الكلام النفي أي ما حسبت لولا إخبارنا. أبو سهل: استفهام تقرير أي أحسبت ذلك فإنهم عجب. والكهف: النَّقْب المتّسع في الجبل وما لم يتّسع فهو غار. وحكى النقاش عن أنس بن مالك أنه قال: الكهف الجبل وهذا غير شهير في اللغة. واختلف الناس في الرقيم فقال ابن عباس: كل شيء في القرآن أعلمه إلا أربعة: غِسْلين وحَنَان والأوّاه والرقيم. وسئل مرة عن الرقيم فقال: زعم كعب أنها قرية خرجوا منها. وقال مجاهد: الرقيم وادٍ. وقال السّدي: الرقيم الصخرة التي كانت على الكهف. وقال ابن زيد: الرقيم كتاب غمّ الله علينا أمره، ولم يشرح لنا قصته. وقالت فرقة: الرقيم كتاب في لوح من نحاس. وقال ابن عباس: في لوح من رصاص كَتب فيه القوم الكفارُ الذين فرّ الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخاً لهم، ذكروا وقت فقدهم، وكم كانوا، وبين من كانوا. وكذا قال الفراء، قال: الرقيم لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا. قال ابن عطية: ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوماً مؤرّخين للحوادث، وذلك من نبل المملكة وهو أمر مفيد. وهذه الأقوال مأخوذة من الرَّقْم ومنه كتاب مرقوم. ومنه الأرقم لتخطيطه. ومنه رَقْمة الوادي أي مكان جَرْي الماء وانعطافه. وما روي عن ابن عباس ليس بمتناقض لأن القول الأوّل إنما سمعه من كَعْب. والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده، وروى عنه سعيد بن جُبير قال: ذكر ابن عباس أصحاب الكهف فقال: إن الفتية فقدوا فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم فرفع ذلك إلى الملك فقال: ليكونن لهم نبأ، وأحضر لوحاً من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزانته فذلك اللوح هو الرقيم.

السابقالتالي
2