الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً }

قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } قال ابن إسحٰـق: وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضاً إلا سُلِّط على أهلها، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق. قال ابن إسحٰـق: حدّثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين أن ذا القرنين كان رجلاً من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليونانيّ من ولد يونان بن يافث بن نوح. قال ابن هشام: واسمه الإسكندر، وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه. قال ابن إسحٰـق: وقد حدّثني ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدان الكَلاَعيّ ـ وكان خالد رجلاً قد أدرك الناس ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال: " ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب " وقال خالد: وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلاً يقول: يا ذا القرنين، فقال عمر: اللهم غَفْراً أما رضيتم أن تُسمّوا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة! فقال ابن إسحٰـق: فالله أعلم أي ذلك كان؟ أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أم لا؟ والحق ما قال. قلت: وقد روي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه مثل قول عمر سمع رجلاً يدعو آخر يا ذا القرنين، فقال عليّ: أما كفاكم أن تسميتم بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة! وعنه أنه عَبْد ملِك بكسر اللام صالحٌ نصح الله فأيّده. وقيل: هو نبي مبعوث فتح الله تعالى على يديه الأرض. وذكر الدارقطنيّ في كتاب الأخبار أن ملكاً يقال له رباقيل كان ينزل على ذي القرنين، وذلك الملك هو الذي يطوي الأرض يوم القيامة، وينقصها فتقع أقدام الخلائق كلهم بالساهرة فيما ذكر بعض أهل العلم. وقال السهيليّ: وهذا مشاكل بتوكيله بذي القرنين الذي قطع الأرض مشارقها ومغاربها كما أن قصة خالد بن سنان في تسخير النار له مشاكلة بحال الملك الموكل بها، وهو مالك عليه السلام وعلى جميع الملائكة أجمعين. ذكر ابن أبي خَيْثَمة في كتاب البدء له خالد بن سِنان العبسيّ وذكر نبوّته، وذكر أنه وكل به من الملائكة مالك خازن النار، وكان من أعلام نبوّته أن ناراً يقال لها نار الحدثان، كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكل الناس ولا يستطيعون ردّها، فردّها خالد بن سنان فلم تخرج بعد. واختلف في اسم ذي القرنين وفي السبب الذي سمي به بذلك اختلافاً كثيراً فأما اسمه فقيل: هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني، وقد تشدّد قافه فيقال: المقّدوني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6