الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }

فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ } في صحيح مسلم عن أبيّ بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لئام " فطافا في المجلس فـ { ـٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } يقول: مائل قال: { فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } الخضر بيده قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا، ولم يطعمونا { لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله موسى لوَدِدْتُ أنه كان صَبَر حتى يقصَّ علينا من أخبارهما ". الثانية: واختلف العلماء في القرية فقيل: هي أبُلَّة قاله قتادة، وكذلك قال محمد بن سيرين، وهي أبخل قرية وأبعدها من السماء. وقيل أَنْطاكية. وقيل: بجزيرة الأندلس روي ذلك عن أبي هريرة وغيره، ويذكر أنها الجزيرة الخضراء. وقالت فرقة: هي بَاجَرْوان وهي بناحية أذَربيجان. وحكى السهيليّ وقال: إنها برقة. الثعلبي: هي قرية من قرى الروم يقال لها ناصرة، وإليها تنسب النصارى وهذا كله بحسب الخلاف في أي ناحية من الأرض كانت قصة موسى. والله أعلم بحقيقة ذلك. الثالثة: كان موسى عليه السلام حين سقى لبنتي شعيب أحوج منه حين أتى القرية مع الخضر، ولم يسأل قوتاً بل سقى ابتداء، وفي القرية سألا القوت وفي ذلك للعلماء انفصالات كثيرة منها أن موسى كان في حديث مَدْين منفرداً وفي قصة الخضر تبعاً لغيره. قلت: وعلى هذا المعنى يتمشى قوله في أوّل الآية لفتاه: { آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } فأصابه الجوع مراعاة لصاحبه يوشع والله أعلم. وقيل: لما كان هذا سفر تأديب وُكِل إلى تكلّف المشقة، وكان ذلك سفر هجرة فوكل إلى العون والنصرة بالقوت. الرابعة: في هذه الآية دليل على سؤال القوت، وأن من جاع وجب عليه أن يطلب ما يردّ جوعه خلافاً لجهال المتصوفة. والاستطعام سؤال الطعام، والمراد به هنا سؤال الضيافة، بدليل قوله: «فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا» فاستحق أهل القرية لذلك أن يُذمّوا، وينسبوا إلى اللؤم والبخل، كما وصفهم بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام. قال قتادة في هذه الآية: شر القُرَى التي لا تضيف الضيف ولا تعرف لابن السبيل حقّه. ويظهر من ذلك أن الضيافة كانت عليهم واجبة، وأن الخضر وموسى إنما سألا ما وجب لهما من الضيافة، وهذا هو الأليق بحال الأنبياء، ومنصب الفضلاء والأولياء. وقد تقدّم القول في الضيافة في «هود» والحمد لله. ويعفو الله عن الحريريّ حيث استخف في هذه الآية وتَمجَّن، وأتى بخطل من القول وزلّ فاستدل بها على الكُدْية والإلحاح فيها، وأن ذلك ليس بمعيب على فاعله، ولا منقصة عليه فقال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7