الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً }

قوله تعالى: { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } في البخاري قال يَعْلَى قال سعيد: وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، { قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } لم تعمل بالحِنْثِ. وفي الصحيحين وصحيح الترمذي: ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، قال له موسى: { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } قال: وهذه أشد من الأولى. { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً }. لفظ البخاري: وفي «التفسير»: إن الخضر مرّ بغلمان يلعبون فأخذ بيده غلاماً ليس فيهم أضوأ منه، وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دَمَغه، فقتله. قال أبو العالية: لم يره إلا موسى، ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام. قلت: ولا اختلاف بين هذه الأحوال الثلاثة، فإنه يحتمل أن يكون دَمَغه أوّلاً بالحجر، ثم أضجعه فذبحه، ثم اقتلع رأسه والله أعلم بما كان من ذلك وحسبك بما جاء في الصحيح. وقرأ الجمهور: «زَاكِيَةً» بالألف. وقرأ الكوفيون وابن عامر «زَكِيَّةً» بغير ألف وتشديد الياء قيل: المعنى واحد قاله الكسائي. وقال ثعلب: الزكية أبلغ. قال أبو عمرو: الزاكية التي لم تذنب قط، والزكية التي أذنبت ثم تابت. قوله تعالى: «غلاماً» اختلف العلماء في الغلام هل كان بالغاً أم لا؟ فقال الكلبي: كان بالغاً يقطع الطريق بين قريتين، وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين، وأمه من عظماء القرية الأخرى، فأخذه الخضر فصرعه، ونزع رأسه عن جسده. قال الكلبي: واسم الغلام شمعون. وقال الضحاك: حيْسون. وقال وهب: اسم أبيه سلاس واسم أمه رُحْمَى. وحكى السهيليّ أن اسم أبيه كازير واسم أمه سهوى. وقال الجمهور: لم يكن بالغاً ولذلك قال موسى زاكية لم تذنب. وهو الذي يقتضيه لفظ الغلام فإن الغلام في الرجال يقال على من لم يبلغ، وتقابله الجارية في النساء. وكان الخضر قتله لِما علم من سِرّه، وأنه طُبع كافراً كما في صحيح الحديث، وأنه لو أدرك لأرهق أبويه كفراً. وقتلُ الصغير غير مستحيل إذا أذن الله في ذلك فإن الله تعالى الفعّال لما يريد، القادر على ما يشاء. وفي كتاب «العرائس» إن موسى لما قال للخضر: «أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً» ـ الآية ـ غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر، وقشر اللحم عنه، وإذا في عظم كتفه مكتوب: كافر لا يؤمن بالله أبداً. وقد احتج أهل القول الأوّل بأن العرب تبقي على الشاب اسم الغلام، ومنه قول ليلى الأخيلية:
شَفَاها من الدَّاءِ العُضالِ الذِي بِها   غُلام إذا هَزَّ القَنَاةَ سَقَاهَا

السابقالتالي
2 3