الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لاۤ أَبْرَحُ } الجمهور من العلماء وأهل التاريخ أنه موسى بن عِمران المذكور في القرآن ليس فيه موسى غيره. وقالت فرقة منها نَوْف البِكَاليّ: إنه ليس ابن عمران وإنما هو موسى بن منشا بن يوسف بن يعقوب وكان نبياً قبل موسى بن عمران. وقد ردّ هذا القول ابن عباس في صحيح البخاري وغيره. وفتاه: هو يوشع بن نون. وقد مضى ذكره في «المائدة» وآخر «يوسف». ومن قال هو ابن منشا فليس الفتى يوشع بن نون. «لاَ أَبْرَحُ» أي لا أزال أسِير قال الشاعر:
وأَبرحُ ما أدامَ اللَّهُ قَومِي   بحمد الله مُنْتَطِقاً مُجِيدَا
وقيل: «لاَ أَبْرَحُ» لا أفارقك. { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي ملتقاهما. قال قتادة: وهو بحر فارس والروم وقاله مجاهد. قال ابن عطية: وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أَذْرَبِيجان، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بَرّ الشام هو مجمع البحرين على هذا القول. وقيل: هما بحر الأرْدُنّ وبحر القُلْزُم. وقيل: مجمع البحرين عند طنجة قاله محمد بن كعب. وروي عن أبيّ بن كعب أنه بأفريقية. وقال السدي: الكُرّوالرَّسُّ بأرمينية. وقال بعض أهل العلم: هو بحر الأندلس من البحر المحيط حكاه النقاش وهذا مما يذكر كثيراً. وقالت فرقة: إنما هما موسى والخضر وهذا قول ضعيف وحكي عن ابن عباس، ولا يصح فإن الأمر بيِّن من الأحاديث أنه إنما وُسِم له بحر ماء. وسبب هذه القصة ما خرجه الصحيحان عن أبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال: أنا فعتَب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا رب فكيف لي به قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مِكتَل فحيثما فَقدتَ الحُوت فهو ثَمَّ " وذكر الحديث، واللفظ للبخاري. وقال ابن عباس: لما ظهر موسى وقومه على أرض مصر أنزل قومه مصر، فلما استقرت بهم الدار أمره الله أن ذكرّهم بأيام الله، فخطب قومه فذكّرهم ما آتاهم الله من الخير والنعمة إذ نجاهم من آل فرعون، وأهلك عدوّهم، واستخلفهم في الأرض، ثم قال: وكلم الله نبيكم تكليما، واصطفاه لنفسه، وألقى عليّ محبة منه، وآتاكم من كل ما سألتموه، فجعلكم أفضل أهل الأرض، ورزقكم العز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والتوراة بعد أن كنتم جهالا فقال له رجل من بني إسرائيل: عَرَفنا الذي تقول، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ قال: لا فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه جبريل: أن يا موسى وما يدريك أين أضع علمي؟ بلىٰ إن لي عبداً بمجمع البحرين أعلم منك وذكر الحديث.

السابقالتالي
2