الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } يحتمل وجهين: أحدهما: ما ذكره لهم من العبر والقرون الخالية. الثاني: ما أوضحه لهم من دلائل الربوبية وقد تقدم في «سبحان» فهو على الوجه الأوّل زجر، وعلى الثاني بيان. { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } أي جدالاً ومجادلة، والمراد به النضر بن الحارث وجداله في القرآن. وقيل: الآية في أبيّ بن خلف. وقال الزجاج: أي الكافر أكثر شيء جدلاً والدليل على أنه أراد الكافر قوله: «ويُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالْبَاطِلِ». وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى بالرجل يوم القيامة من الكفار فيقول الله له: ما صنعتَ فيما أرسلتُ إليك فيقول: رب آمنتُ بك وصدّقت برسلك وعملتُ بكتابك فيقول الله له: هذه صحيفتك ليس فيها شيء من ذلك فيقول: يا رب إني لا أقبل ما في هذه الصحيفة فيقال له هذه الملائكة الحفظة يشهدون عليك فيقول: ولا أقبلهم يا رب وكيف أقبلهم ولا هم من عندي ولا من جهتي فيقول الله تعالى: هذا اللوح المحفوظ أمّ الكتاب قد شهد بذلك فقال: يا رب ألم تُجرني من الظلم قال: بلى فقال: يا رب لا أقبل إلا شاهداً عليّ من نفسي فيقول الله تعالى الآن نبعث عليك شاهداً من نفسك فيتفكر من ذا الذي يشهد عليه من نفسه فيختم على فيه ثم تنطق جوارحه بالشرك ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام فيدخل النار وإنّ بعضه ليلعن بعضاً يقول لأعضائه: لعنكنّ الله فعنكنّ كنتُ أناضل فتقول أعضاؤه: لعنك الله أفتعلم أن الله تعالى يُكْتَم حديثاً فذلك قوله تعالى: { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } " أخرجه مسلم بمعناه من حديث أنس أيضاً. وفي صحيح مسلم " عن عليّ أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلاً فقال: «ألا تصلّون»فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } ". قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } أي القرآن والإسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام. { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } أي سنتنا في إهلاكهم أي ما منعهم عن الإيمان إلا حكمي عليهم بذلك ولو حكمت عليهم بالإيمان آمنوا. وسنة الأوّلين عادة الأوّلين في عذاب الاستئصال. وقيل: المعنى وما منع الناس أن يؤمنوا إلا طلب أن تأتيهم سنة الأوّلين فحذف. وسنة الأوّلين معاينة العذاب، فطلب المشركون ذلك، وقالوا:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ }

السابقالتالي
2 3