الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } قال بعض النحويين: التقدير والباقيات الصالحات خير عند ربك يوم نسيّر الجبال. قال النحاس: وهذا غلط من أجل الواو. وقيل: المعنى وٱذكر يوم نسيّر الجبال، أي نزيلها من أماكنها من على وجه الأرض، ونسيرها كما نسير السحاب كما قال في آية أخرىوَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88]. ثم تكسر فتعود إلى الأرض كما قالوَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاًفَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [الواقعة: 5]. وقرأ ابن كثير والحسن وأبو عمرو وابن عامر «ويوم تُسَيَّر» بتاء مضمومة وفتح الياء. و «الجبالُ» رفعا على الفعل المجهول. وقرأ ابن مُحَيْصِن ومجاهد «ويوم تسير الجبال» بفتح التاء مخففاً من سار. «الجبال» رفعا. دليل قراءة أبي عمرووَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } [التكوير: 3]. ودليل قراءة ابن محيصِنوَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [الطور: 10]. واختار أبو عبيد القراءة الأولى «نسيّر» بالنون لقوله «وحشرناهم». ومعنى { بَارِزَةً } ظاهرة، وليس عليها ما يسترها من جبل ولا شجر ولا بنيان أي قد ٱجتثت ثمارها وقلعت جبالها، وهدم بنيانها فهي بارزة ظاهرة. وعلى هذا القول أهل التفسير. وقيل: «وترى الأرض بارزة» أي برز ما فيها من الكنوز والأموات كما قالوَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [الانشقاق: 4] وقالوَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [الزلزلة: 2] وهذا قول عطاء. { وَحَشَرْنَاهُمْ } أي إلى الموقف. { فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } أي لم نترك يقال: غادرت كذا أي تركته. قال عنترة:
غَادَرْتُه مُتَعَفِّرا أوصالهُ   والقومُ بين مُجَرَّحٍ ومُجَدَّلِ
أي تركته. والمغادرة الترك ومنه الغَدْر لأنه ترك الوفاء. وإنما سمي الغدير من الماء غديراً لأن الماء ذهب وتركه. ومنه غدائر المرأة لأنها تجعلها خلفها. يقول: حشرنا بَرّهم وفاجِرَهم وجنّهم وإنسهم.