الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً }

قوله تعالى: { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ } يهوذا أو تمليخا على الخلاف في ٱسمه. { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } وعظه وبيّن له أن ما اعترف به من هذه الأشياء التي لا ينكرها أحد أبدع من الإعادة. و «سوَّاك رجلا» أي جعلك معتدل القامة والخَلْق، صحيحَ الأعضاء ذكراً. { لَّكِنَّا هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } كذا قرأه أبو عبد الرحمن السُّلَمِي وأبو العالية. وروي عن الكسائي { لَّكِنَّ هُوَ ٱللَّهُ } بمعنى لكن الأمر هو الله ربي، فأضمر اسمها فيها. وقرأ الباقون «لكنا» بإثبات الألف. قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير، تقديره: لكن الله هو ربي أنا، فحذفت الهمزة من «أنا» طلباً للخفة لكثرة الاستعمال وأدغمت إحدى النونين في الأخرى وحذفت ألف «أنا» في الوصل وأثبتت في الوقف. وقال النحاس: مذهب الكسائي والفرّاء والمازِنِيّ أن الأصل لكن أنا فألقيت حركة الهمزة على نون لكن وحذفت الهمزة وأدغمت النون في النون فالوقف عليها لكنا وهي ألف أنا لبيان الحركة. وقال أبو عبيد: الأصل لكن أنا، فحذفت الألف فٱلتقت نونان فجاء بالتشديد لذلك، وأنشدنا الكسائي:
لَهنّكِ من عَبْسِيَّة لَوَسِيَمةٌ   على هَنَوَاتٍ كاذب من يقولها
أراد: لله إنك لوسيمة، فأسقط إحدى اللامين من «لله» وحذف الألف من إنك. وقال آخر فجاء به على الأصل:
وترمينني بالطَّرْف أي أنت مذنب   وتَقْلِيننِي لكنّ إيّاكِ لاَ أَقْلِي
أي لكن أنا. وقال أبو حاتم: وروَوْا عن عاصم «لكنا هو الله ربي» وزعم أن هذا لحن، يعني إثبات الألف في الإدراج. قال الزجاج: إثبات الألف في «لكنا هو الله ربي» في الإدراج جيد لأنه قد حذفت الألف من أنا فجاءوا بها عِوضاً. قال: وفي قراءة أُبَيّ «لكن أنا هو الله ربي». وقرأ ابن عامر والمَسِيلِيّ عن نافع ورُويس عن يعقوب «لكنا» في حال الوقف والوصل معاً بإثبات الألف. وقال الشاعر:
أنا سيف العشيرة فٱعرفوني   حُمَيْداً قد تَذَرّيْتُ السِّناما
وقال الأعشى:
فكيف أنا وٱنتحال القوافي   بعد المشيب كفى ذاك عاراً
ولا خلاف في إثباتها في الوقف. { هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } «هو» ضمير القصة والشأن والأمر كقولهفَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الأنبياء: 79] وقوله «قل هو الله أحد». { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } دلّ مفهومه على أن الأخ الآخر كان مشركاً بالله تعالى يعبد غيره. ويحتمل أنه أراد لا أرى الغنى والفقر إلا منه، وأعلم أنه لو أراد أن يسْلُب صاحب الدنيا دنياه قَدَر عليه وهو الذي آتاني الفقر. ويحتمل أنه أراد جحودُك البعث مصيرهُ إلى أن الله تعالى لا يقدر عليه، وهو تعجيز الرب سبحانه وتعالى، ومَن عجّزه سبحانه وتعالى شبّهه بخلقه فهو إشراك.