الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً }

قوله تعالى: { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } هذا مثل لمن يتعزز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة المؤمنين، وهو متّصل بقوله { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ }. واختلف في اسم هذين الرجلين وتعيينهما فقال الكلبي: نزلت في أخوين من أهل مكة مخزوميين، أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، زوجُ أمِّ سلمة قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم. والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد، وهما الأخوان المذكوران في سورة «الصافات» في قولهقَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } [الصافات: 51]، وَرِث كل واحد منهما أربعة آلاف دينار، فأنفق أحدُهما مالَه في سبيل الله وطلب من أخيه شيئاً فقال ما قال... ذكره الثعلبِيّ والقُشَيرِيّ. وقيل: نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأهل مكة. وقيل: هو مَثَل لجميع مَن آمن بالله وجميع مَن كفر. وقيل: هو مَثَل لعُيَيْنة بن حِصْن وأصحابه مع سلمان وصُهيب وأصحابه شبّههم الله برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس. وقال مقاتل: اسمه تمليخا. والآخر كافر واسمه قرطوش. وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة الصافات. وكذا ذكر محمد بن الحسن المقرىء قال: اسم الخَيِّر منهما تمليخا، والآخر قرطوش، وأنهما كانا شريكين ثم اقتسما المال فصار لكل واحد منهما ثلاثةُ آلاف دينار، فاشترى المؤمن منهما عبيداً بألف وأعتقهم، وبالألف الثانية ثياباً فكسا العُراة، وبالألف الثالثة طعاماً فأطعم الجُوّع، وبنى أيضاً مساجد، وفعل خيراً. وأما الآخر فنكح بماله نساء ذوات يسار، واشترى دواب وبقراً فاستنتجها فنمَت له نماء مُفْرِطاً، وٱتّجر بباقيها فربح حتى فاق أهل زمانه غِنًى وأدركت الأوّلَ الحاجةُ، فأراد أن يستخدم نفسه في جنة يخدمها فقال: لو ذهبت لشريكي وصاحبي فسألته أن يستخدمني في بعض جناته رجوت أن يكون ذلك أصلح بي، فجاءه فلم يَكدَ يصل إليه من غِلَظ الحجاب، فلما دخل عليه وعرفه وسأله حاجته قال له: ألم أكن قاسمتك المال نصفين! فما صنعتَ بمالك؟ قال: اشتريت به من الله تعالى ما هو خير منه وأبقى. فقال: أئنك لمن المصدّقين، ما أظن الساعة قائمةٰ وما أراك إلا سفيهاً، وما جزاؤك عندي على سفاهتك إلا الحرمان، أو ما ترى ما صنعتُ أنا بمالي حتى آل إلى ما تراه من الثروة وحسن الحال، وذلك أني كَسَبْت وسفهت أنت، أخرج عني. ثم كان من قصة هذا الغنيّ ما ذكره الله تعالى في القرآن من الإحاطة بثمره وذهابها أصلاً بما أرسل عليها من السماء من الحُسْبان. وقد ذكر الثعلبيّ هذه القصة بلفظ آخر، والمعنى متقارب. قال عطاء: كانا شريكين لهما ثمانية آلاف دينار.

السابقالتالي
2 3 4