الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }

لما ذكر ما أعدّ للكافرين من الهوان ذكر أيضاً ما للمؤمنين من الثواب. وفي الكلام إضمار أي لا نضيع أجر من أحسن منهم عملاً، فأما من أحسن عملاً من غير المؤمنين فعمله مُحْبطَ. و «عملا» نصب على التمييز، وإن شئت بإيقاع «أحسن» عليه. وقيل: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } كلام معترض، والخبر قوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } و { جَنَّاتُ عَدْنٍ } سُرَّةُ الجنة، أي وسطها وسائر الجنات مُحْدِقَة بها. وذكرت بلفظ الجمع لسَعتها لأن كل بُقعة منها تصلح أن تكون جنة. وقيل: العَدْن الإقامة، يقال: عَدَن بالمكان إذا أقام به. وعَدَنْت البلد توطنْته. وعَدَنَتِ الإبلُ بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه ومنه «جناتُ عَدْن» أي جنات إقامة. ومنه سُمِّيَ المَعْدِن بكسر الدال لأن الناس يقيمون فيه بالصيف والشتاء. ومركز كلّ شيء مَعدِنه. والعادن: الناقة المقيمة في المرعى. وعَدَن بلد قاله الجوهري. { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ } تقدّم في غير موضع. { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } وهو جمع سِوار. قال سعيد بن جُبَير: على كل واحد منهم ثلاثة أسورة: واحد من ذهب، وواحد من ورِق، وواحد من لؤلؤ. قلت: هذا منصوص في القرآن، قال هنامن ذهب } [الحج: 23] وقال في الحج وفاطرمِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [فاطر: 33] وفي الإنسانمِن فِضَّةٍ } [الإنسان: 21]. وقال أبو هريرة: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: " تبلغ الحِلْية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " خرّجه مسلم. وحكى الفرّاء: «يَحْلَون» بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام خفيفة يقال: حَلِيت المرأة تَحْلَى فهي حالية إذا لبست الحَلْي. وحَلِيَ الشي بعيني يَحْلَى ذكره النحاس. والسِّوار سِوار المرأة، والجمع أسورة، وجمع الجمع أساورة. وقرىءفَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } [الزخرف: 53] وقد يكون الجمع أساور. وقال الله تعالى { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } ، قاله الجوهري. وقال عُزيز: أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سِوار وسُوار، وهو الذي يلبس في الذراع من ذهب، فإن كان من فضة فهو قُلْب وجمعه قِلَبَة فإن كان من قَرْن أو عاج فهي مَسَكة وجمعه مَسَك. قال النحاس: وحكى قُطْرب في واحد الأساور إسوار، وقُطْرب صاحب شذوذ، قد تركه يعقوب وغيره فلم يذكره. قلت: قد جاء في الصحاح وقال أبو عمرو بن العلاء: واحدها إسوار. وقال المفسرون: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتِّيجان جعل الله تعالى ذلك لأهل الجنة. قوله تعالى: { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } السُّنْدُس: الرقيق النحيف، واحده سندسة قاله الكسائي. والإستبرق: ما ثخُن منه ـ عن عكرمة ـ وهو الحرير. قال الشاعر:
تراهنّ يلبسن المشاعر مَرّة   وإستبرقُ الديباج طَوْراً لباسُهَا
فالإستبرق الدِيباج. ابن بحر: المنسوج بالذهب.

السابقالتالي
2