الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً }

قوله تعالى: { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } الضمير في «سيقولون» يراد به أهل التوراة ومعاصري محمد صلى الله عليه وسلم. وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص. وقيل: المراد به النصارى فإن قوماً منهم حضروا النبيّ صلى الله عليه وسلم من نجران فجرى ذكر أصحاب الكهف فقالت اليعقوبيّة: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وقالت النسطورية: كانوا خمسة سادسهم كلبهم. وقال المسلمون: كانوا سبعة ثامنهم كلبهم. وقيل: هو إخبار عن اليهود الذين أمروا المشركين بمسألة النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الكهف. والواو في قوله: { وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } طريق النحويين أنها واو عطف دخلت في آخر إخبار عن عددهم لتفصّل أمرهم، وتدلّ على أن هذا غاية ما قيل ولو سقطت لصح الكلام. وقالت فرقة منها ابن خالويه: هي واو الثمانية. وحكى الثعلبيّ عن أبي بكر بن عيّاش أن قريشاً كانت تقول في عددها ستة سبعة وثمانية فتدخل الواو في الثمانية. وحكى نحوه القفّال، فقال: إن قوما قالوا العدد ينتهي عند العرب إلى سبعة، فإذا احتيج إلى الزيادة عليها استؤنف خبر آخر بإدخال الواو، كقوله:ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ } [التوبة:112] ثم قال:وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ } [التوبة: 112] يدلّ عليه أنه لما ذكر أبواب جهنمحَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 71] بلا واو، ولما ذكر الجنة قال:فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 73] بالواو. وقال { خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ } ثم قال:وَأَبْكَاراً } [التحريم: 5] فالسبعة نهاية العدد عندهم كالعشرة الآن عندنا. قال القشيري أبو نصر: ومثل هذا الكلام تحكُّم، ومن أين السبعة نهاية عندهمٰ ثم هو منقوض بقوله تعالى:هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ } [الحشر: 23] ولم يذكر الاسم الثامن بالواو. وقال قوم ممن صار إلى أن عددهم سبعة: إنما ذكر الواو في قوله: «سبعة وثامنهم» لينبّه على أن هذا العدد هو الحق، وأنه مباين للأعداد الأخر التي قال فيها أهل الكتاب ولهذا قال تعالى في الجملتين المتقدمتين «رجماً بالغيب» ولم يذكره في الجملة الثالثة ولم يقدح فيها بشيء فكأنه قال لنبيّه هم سبعة وثامنهم كلبهم. والرجم: القول بالظن يقال لكل ما يُخرص: رجم فيه ومرجوم ومرجم كما قال:
وما الحرب إلا ما علمتم وذُقْتُمُ   وما هو عنها بالحديث المُرَجَّم
قلت: قد ذكر الماوردي والغزنوي: وقال ابن جريج ومحمد بن إسحاق كانوا ثمانية، وجعلا قوله تعالى: «وثامنهم كلبهم» أي صاحب كلبهم. وهذا مما يقوّي طريق النحويين في الواو، وأنها كما قالوا. وقال القشيريّ: لم يذكر الواو في قوله: رابعهم سادسهم، ولو كان بالعكس لكان جائزاً، فطلب الحكمة والعلة في مثل هذه الواو تكلّف بعيد، وهو كقوله في موضع آخروَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ }

السابقالتالي
2