الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم. و «أعثر» تعدية عثر بالهمزة، وأصل العثار في القدم. { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم. وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجلٌ صالح، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا: إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض. وقال بعضهم: تبعث الروح والجسد جميعاً فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبيّن أمره لهم، حتى لبس المسوح وقعد على الرمّاد وتضرّع إلى الله تعالى في حجة وبيان، فأعثر الله على أهل الكهف فيقال: إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد، فحمل إلى الملك وكان صالحاً قد آمن وآمن من معه، فلما نظر إليه قال: لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم، وسأل الفتى فأخبره فسرّ الملك بذلك قال: لعل الله قد بعث لكم آية، فلنسر إلى الكهف معه، فركب مع أهل المدينة إليهم، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا: أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام، فروي أنهم سرّوا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظّموه وعظّمهم ثم رجعوا إلى كهفهم. وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدّثهم تمليخا ميتة الحق، على ما يأتي. ورجع من كان شكّ في بعث الأجساد إلى اليقين. فهذا معنى «أعثرنا عليهم». «ليعلموا أن وعد الله حق» أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق «إذ يتنازعون بينهم أمرهم». وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم فقال الملك: ابنوا عليهم بنيانا فقال الذين هم على دين الفتية: اتخذوا عليهم مسجداً. وروي أن طائفة كافرة قالت: نبني بيعة أو مضيفاً، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجداً. وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيّبين. وروي عن عبد لله بن عمر أن الله تعالى أعمى على الناس حينئذٍ أثرهم وحجبهم عنهم، فلذلك دعا الملك إلى بناء البنيان ليكون مَعْلَماً لهم. وقيل: إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آتٍ منهم في المنام فقال: أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود، فدعنا. وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمّنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز لما روى أبو داود والترمذيّ عن ابن عباس قال:

السابقالتالي
2 3