الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً }

قوله تعالى: { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } عبارة عن شدّة عزم وقوّة صبرٍ، أعطاها الله لهم حتى قالوا بين يدي الكفار: { رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً }. ولما كان الفزع وخَوَر النفس يشبه بالتناسب الانحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط ومنه يقال: فلان رابط الجأش، إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها. ومنه الرّبط على قلب أمّ موسى. وقوله تعالى:وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } [الأنفال: 11] وتقدّم. قوله تعالى: { إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ } فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ } يحتمل ثلاثة معان: أحدها: أن يكون هذا وصفَ مقامهم بين يدي الملك الكافر ـ كما تقدّم، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه، ورفضوا في ذات الله هيبته. والمعنى الثاني فيما قيل: إنهم أولاد عظماء تلك المدينة، فخرجوا واجتمعوا وراء تلك المدينة من غير ميعاد فقال أسنُّهم: إني أجد في نفسي أن ربي ربُّ السموات والأرض فقالوا ونحن كذلك نجد في أنفسنا. فقاموا جميعاً فقالوا: «ربُّنا ربُّ السموات والأرض لن ندعو من دونه إلٰهاً لقد قلنا إذاً شَطَطاً». أي لئن دعونا إلٰهاً غيره فقد قلنا إذا جوراً ومحالاً. والمعنى الثالث: أن يعبّر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله تعالى ومنابذة الناس كما تقول: قام فلان إلى أمر كذا إذا عزم عليه بغاية الجدّ. الثانية: قال ابن عطية: تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله: «إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض». قلت: وهذا تعلّق غير صحيح! هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء. أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام! وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان هيهات! بينهما والله ما بين الأرض والسماء. ثم هذا حرام عند جماعة العلماء، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى. وقد تقدّم في «سبحان» عند قوله:وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } [الإسراء: 37] ما فيه كفاية. وقال الإمام أبو بكر الطَّرسوسيّ وسئل عن مذهب الصوفية فقال: وأما الرقص والتواجد فأوّل من أحدثه أصحاب السامريّ لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون فهو دين الكفار وعبّاد العجل، على ما يأتي.