الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } * { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } * { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } * { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }

قوله تعالى { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } الضمير في «تركنا» لله تعالى أي تركنا الجن والإنس يوم القيامة يموج بعضهم في بعض. وقيل: تركنا يأجوج ومأجوج «يومئذٍ» أي وقت كمال السدّ يموج بعضهم في بعض. واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردّد بعضهم في بعض، كالمولهين من هَمٍّ وخوف فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض. وقيل: تركنا يأجوج ومأجوج يوم انفتاح السدّ يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم. قلت: فهذه ثلاثة أقوال، أظهرها أوسطها، وأبعدها آخرها، وحسن الأول لأنه تقدّم ذكر القيامة في تأويل قوله تعالى:فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } [الكهف: 98]. والله أعلم. قوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } تقدّم في «الأنعام». { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } يعني الجن والإنس في عرصات القيامة. { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ } أي أبرزناها لهم. { يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً }. { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ } في موضع خفض نعت «للكافرين». { فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي } أي هم بمنزلة من عينه مغطاة فلا ينظر إلى دلائل الله تعالى. { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى، فهم بمنزلة من صمَّ. قوله تعالى: { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي ظن. وقرأ عليّ وعكرمة ومجاهد وابن محيصن «أَفَحَسْبُ» بإسكان السين وضم الباء أي كَفَاهم. { أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي } يعني عيسى والملائكة وعزيراً. { مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ } ولا أعاقبهم ففي الكلام حذف. وقال الزجاج: المعنى أفحسبوا أن ينفعهم ذلك. { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً }. قوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } إلى قوله: { وَزْناً } فيه مسألتان:الأولى: قوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } ـ الآية ـ فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن وقد حبط سعيه، والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو المراءاة، والمراد هنا الكفر. روى البخاري عن مصعب قال: سألت أبي «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً» أهم الحَرُوريّة؟ قال: لا هم اليهود والنصارى. أما اليهود فكذبّوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى فكفروا بالجنة، فقالوا: لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد يسميهم الفاسقين. والآية معناها التوبيخ أي قل لهؤلاء الكفرة الذين عبدوا غيري: يخيب سعيهم وآمالهم غداً فهم الأخسرون أعمالاً، وهم { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } في عبادة من سواي. قال ابن عباس: يريد كفار أهل مكة. وقال عليّ: هم الخوارج أهل حروراء. وقال مَرَّة: هم الرهبان أصحاب الصوامع. وروي أن ابن الكواء سأله عن الأخسرين أعمالاً فقال له: أنت وأصحابك. قال ابن عطية: ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } وليس من هذه الطوائف من يكفر بالله ولقائه والبعث والنشور، وإنما هذه صفة مشركي مكة عبدة الأوثان وعليّ وسعد رضي الله عنهما ذكرا أقواماً أخذوا بحظهم من هذه الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6