الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً }

قوله تعالى { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً }. قوله تعالى: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } قال ابن عباس: ناحيته. وقاله الضحاك. مجاهد: طبيعته. وعنه: حِدته. ابن زيد: على دينه. الحسن وقتادة: نيته. مقاتل: جِبِلته. الفراء: على طريقته ومذهبه الذى جُبل عليه. وقيل: قل كلٌّ يعمل على ما هو أشكل عنده وأوْلى بالصواب فى اعتقاده. وقيل: هو مأخوذ من الشكل يقال: لست على شَكْلِى ولا شاكلتي. قال الشاعر:
كل امرئ يشبهه فعله   ما يفعل المرء فهو أهله
فالشكل هو المثل والنظير والضرب. كقوله تعالى:وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ص:58]. والشكل بكسر الشين: الهيئة. يقال: جارية حسنة الشَّكل. وهذه الأقوال كلّها متقاربة والمعنى: أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلاقه التي ألِفَها، وهذا ذمُّ للكافر ومدح للمؤمن. والآية والتى قبلها نزلتا فى الوليد بن المغيرة ذكره المهدوى. { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } أى بالمؤمن والكافر وما سيحصل من كل واحد منهم. وقيل: { أَهْدَىٰ سَبِيلاً } أى أسرع قبولا. وقيل: أحسن دينا. وحكى أن الصحابة رضوان الله عليهم تذاكروا القرآن فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تبارك وتعالى: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } فإنه لا يشاكل بالعبد إلا العصيان ولا يشاكل بالرب إلا الغفران. وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تعالى: { بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ } قدم غفران الذنوب على قبول التوبة، وفى هذا إشارة للمؤمنين. وقال عثمان بن عفان رضى الله عنه: قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره. فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى:نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الحجر:49]. وقال علىّ بن ابى طالب رضى الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالىقُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر:53]. قلت: وقرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى:ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [الأنعام:82].