الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }

فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } لما ذكر مكايد المشركين أمر نبيّه عليه السلام بالصبر والمحافظة على الصلاة، وفيها طلب النصر على الأعداء. ومثلهوَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [الحجر: 97]. وتقدم القول في معنى إقامة الصلاة في أول سورة البقرة. وهذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة. واختلف العلماء في الدُّلوك على قولين: أحدهما: أنه زوال الشمس عن كبد السماء قاله عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس وطائفة سواهم من علماء التابعين وغيرهم. الثاني ـ أن الدلوك هو الغروب قاله عليّ وابن مسعود وأبيّ بن كعب، وروي عن ابن عباس. قال الماورديّ: من جعل الدُّلوك اسما لغروبها فلأن الإنسان يدلُك عينيه براحته لتبيّنها حالة المغيب، ومن جعله اسما لزوالها فلأنه يدلك عينيه لشدة شعاعها. وقال أبو عبيد: دلوكها غروبها. ودلكَتْ براح يعني الشمس أي غابت. وأنشد قُطْرب:
هذا مُقامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ   ذَبّب حتى دَلكتْ بَراحِ
براح بفتح الباء على وزن حَزام وقطام ورقاس اسم من أسماء الشمس. ورواه الفرّاء بكسر الباء وهو جمع راحة وهي الكف أي غابت وهو ينظر إليها وقد جعل كفّه على حاجبه. ومنه قول العَجّاج:
والشمس قد كادت تكون دَنَفَا   أدفعها بالراح كي تَزَحْلَفَا
قال ابن الأعرابيّ: الزُّحلوفة مكان منحدر أملس، لأنهم يتزحلفون فيه. قال: والزَّحْلفة كالدّحرجة والدفع يقال: زحلفته فتَزَحْلَف. ويقال: دلكت الشمس إذا غابت. قال ذو الرُّمَّة:
مصابيح ليست باللّواتي تقودها   نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالكِ
قال ابن عطية: الدلوك هو الميل ـ في اللغة ـ فأوّل الدلوك هو الزوال وآخره هو الغروب. ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا، لأنها في حالة ميل. فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب، ويصح أن تكون المغرب داخلة في غَسَق الليل. وقد ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب لأن الله سبحانه علق وجوبها على الدلوك، وهذا دلوك كله قاله الأوزاعيّ وأبو حنيفة في تفصيل. وأشار إليه مالك والشافعيّ في حالة الضرورة. الثانية: قوله تعالى: { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ } روى مالك عن ابن عباس قال: دلوك الشمس ميلها، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته. وقال أبو عبيدة: الغسق سواد الليل. قال ابن قَيْس الرُّقَيّات:
إن هذا الليل قد غَسَقَا   واشتكيْتُ الهَمّ والأرَقَا
وقد قيل: غسق الليل مغيب الشفق. وقيل: إقبال ظلمته. قال زهير:
ظلّت تجود يداها وهي لاهية   حتى إذا جنح الإظلام والغَسق
يقال: غسق الليل غسوقا. والغَسَق اسم بفتح السين. وأصل الكلمة من السيلان يقال: غَسَقت العين إذا سالت، تَغْسِق. وغَسَق الجرح غَسَقانا، أي سال منه ماء أصفر.

السابقالتالي
2 3 4