الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً }

قال سعيد بن جبير: " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود في طوافه، فمنعته قريش وقالوا: لا ندعك تستلم حتى تُلّم بآلهتنا. فحدّث نفسه وقال: «ما عليّ أن أُلِمّ بها بعد أن يَدَعُوني أستلم الحجر والله يعلم أني لها كاره» " فأبى الله تعالى ذلك وأنزل عليه هذه الآية قاله مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في وفد ثَقيف، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه شَططاً وقالوا: متّعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يُهْدَى لها، فإذا أخذناه كسرناها وأسلمنا، وحَرّم وادينا كما حرّمت مكة، حتى تعرف العرب فضلنا عليهم، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك فنزلت هذه الآية. وقيل: هو قول أكابر قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم: اطرد عنا هؤلاء السُّقاط والموالي حتى نجلس معك ونسمع منك فهمّ بذلك حتى نُهِي عنه. وقال قتادة: ذكر لنا أن قريشاً خلوْا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخّمونه، ويسوّدونه ويقاربونه فقالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيّدُنا يا سيدنا وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله من ذلك، وأنزل الله تعالى هذه الآية. ومعنى { لَيَفْتِنُونَكَ } أي يزيلونك. يقال: فتنتُ الرجل عن رأيه إذا أزلته عما كان عليه قاله الهَرَوِيّ. وقيل يصرفونك، والمعنى واحد. { عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } أي حكم القرآن لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن. { لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } أي لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، وهو قول ثقيف: وحَرّم وادينا كما حرمت مكة، شجرها وطيرها ووحشها، فإن سألتك العرب لم خصّصتهم فقل الله أمرني بذلك حتي يكون عذراً لك. { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلاً، أي والوك وصافوك مأخوذ من الخلة بالضم وهي الصداقة لممايلته لهم. وقيل: «لاتخذوك خليلاً» أي فقيراً. مأخوذ من الخَلّة بفتح الخاء وهي الفقر لحاجته إليهم.