الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً }

قوله تعالى: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } أي نفع إحسانكم عائد عليكم. { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أي فعليها نحو سلام لك، أي سلام عليك. قال:
فخَـرّ صريعـاً لليديـن وللفـمِ   
أي على اليدين وعلى الفم. وقال الطبري: اللام بمعنى إلى، يعني وإن أسأتم فإليها، أي فإليها ترجع الإساءة كقوله تعالى:بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [الزلزلة: 5] أي إليها. وقيل: فلها الجزاء والعقاب. وقال الحسين بن الفضل: فلها رَبٌّ يغفر الإساءة. ثم يحتمل أن يكون هذا خطاباً لبني إسرائيل في أول الأمر أي أسأتم فحلّ بكم القتل والسَّبْيُ والتخريب ثم أحسنتم فعاد إليكم الملك والعُلُوّ وٱنتظام الحال. ويحتمل أنه خوطب بهذا بنو إسرائيل في زمن محمد صلى الله عليه وسلم أي عرفتم استحقاق أسلافكم للعقوبة على العصيان فارتقبوا مثله. أو يكون خطاباً لمشركي قريش على هذا الوجه. { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } من إفسادكم وذلك أنهم قتلوا في المرة الثانية يحيـى بن زكريا عليهما السلام، قتله مَلِكٌ من بني إسرائيل يقال له لاخت قاله القُتَبِيّ. وقال الطبري: اسمه هيردوس، ذكره في التاريخ حمله على قتله ٱمرأة اسمها أزبيل. وقال السدّي: كان ملك بني إسرائيل يكرم يحيـى بن زكريا ويستشيره في الأمر، فٱستشاره الملك أن يتزوج بنت ٱمرأة له فنهاه عنها وقال: إنها لا تحل لك فحقدت أمّها على يحيـى عليه السلام، ثم ألبست ابنتها ثياباً حمراء رقاقاً وطيّبتها وأرسلتها إلى الملك وهو على شرابه، وأمرتها أن تتعرض له، وإن أرادها أبت حتى يعطيها ما تسأله فإذا أجاب سألتْ أن يؤتى برأس يحيـى بن زكريا في طَسْت من ذهب ففعلت ذلك حتى أتي برأس يحيـى بن زكريا والرأس يتكلم حتى وضع بين يديه وهو يقول: لا تحلّ لك لا تحلّ لك فلما أصبح إذا دمه يَغْلي، فألقى عليه التراب فغَلَى فوقه، فلم يزل يلُقي عليه التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يَغْلِي ذكره الثعلبي وغيره. وذكر ابن عساكر الحافظ في تاريخه عن الحسين بن عليّ قال: كان ملك من هذه الملوك مات وترك امرأته وٱبنته فورِث مُلْكَه أخوه، فأراد أن يتزوج امرأة أخيه، فٱستشار يحيـى بن زكريا في ذلك، وكانت الملوك في ذلك الزمان يعملون بأمر الأنبياء، فقال له: لا تتزوجها فإنها بَغِيّ فَعُرِّفت المرأةُ أنه قد ذكرها وصرفه عنها، فقالت: من أين هذا! حتى بلغها أنه من قِبَل يحيـى، فقالت: ليقتلن يحيـى أو ليخرجن من ملكه، فعمَدت إلى ابنتها وصنّعتها، ثم قالت: اذهبي إلى عمك عند الملأ فإنه إذا رآك سيدعوك ويجلسك في حجره، ويقول سليني ما شئت، فإنك لن تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فإذا قال لك ذلك فقولي: لا أسأل إلا رأس يحيـى.

السابقالتالي
2 3 4 5