الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً }

قوله تعالى: { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ } بيّن أنه قادر على هلاكهم في البر وإنْ سَلِموا من البحر. والخَسْف: أن تنهار الأرض بالشيء، يقال: بئر خسيف إذا انهدم أصلها. وعين خاسف أي غارت حدقتها في الرأس. وعَيْنٌ من الماء خاسفة أي غار ماؤها. وخَسَفت الشمس أي غابت عن الأرض. وقال أبو عمرو: والخَسِيف البئر التي تحفر في الحجارة فلا ينقطع ماؤها كثرةً. والجمع خُسُف. وجانب البر: ناحية الأرض وسماه جانباً لأنه يصير بعد الخسف جانباً. وأيضاً فإن البحر جانب والبَرَّ جانب. وقيل: إنهم كانوا على ساحل البحر، وساحله جانب البر، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر، فحذّرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر. { أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } يعني ريحا شديدة، وهي التي تَرْمي بالحصباء، وهي الحصى الصغار، قاله أبو عبيدة والقُتبِيّ. وقال قتادة: يعني حجارة من السماء تَحصبهم، كما فُعل بقوم لوط. ويقال للسحابة التي ترمي بالبَرَد: حاصب، وللريح التي تحمل التراب والحصباء حاصب وحَصِبة أيضاً. قال لَبِيد:
جرّت عليها أن خَوَتْ من أهلها   أذيالَها كلُّ عَصُوفٍ حَصِبْه
وقال الفَرَزْدَق:
مستقبلين شَمَال الشام يضربنا   بحاصب كنَدِيف القطن منثور
{ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } أي حافظا ونصيراً يمنعكم من بأس الله.