الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } قال ابن عباس: الناس هنا أهل مكة، وإحاطته بهم إهلاكه إياهم أي أن الله سيهلكهم. وذكره بلفظ الماضي لتحقق كونه. وعنى بهذا الإهلاك الموعود ما جرى يوم بدر ويوم الفتح. وقيل: معنى «أحاط بالناس» أي أحاطت قدرته بهم، فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته قاله مجاهد وابن أبي نَجيح. وقال الكلبيّ: المعنى أحاط علمه بالناس. وقيل: المراد عصمته من الناس أن يقتلوه حتى يبلّغ رسالة ربه أي وما أرسلناك عليهم حفيظاً، بل عليك التبليغ، فبلغ بجدّك فإنا نعصمك منهم ونحفظك، فلا تَهَبْهم، وٱمضِ لما آمرك به من تبليغ الرسالة، فقدرتنا محيطة بالكل قال معناه الحسن وعروة وقتادة وغيرهم. قوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } لمّا بين أن إنزال آيات القرآن تتضمن التخويف ضَمّ إليه ذكر آية الإسراء، وهي المذكورة في صدر السورة. وفي البخاريّ والترمذيّ عن ابن عباس في قوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } قال: هي رؤيا عَيْن أُرِيها النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أسْرِيَ به إلى بيت المقدس. قال: { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } هي شجرة الزَّقُّوم. قال أبو عيسى الترمذيّ: هذا حديث صحيح. وبقول ابن عباس قالت عائشة ومعاوية والحسن ومجاهد وقَتادة وسعيد بن جُبير والضحاك وابن أبي نَجيح وابن زيد. وكانت الفتنة ارتدادَ قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه أُسْرِيَ به. وقيل: كانت رؤيا نوم. وهذه الآية تقضي بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها. وعن ابن عباس قال: الرؤيا التي في هذه الآية هي رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يدخل مكة في سنة الحُدَيْبِيَة، فَرُدّ فٱفتتن المسلمون لذلك، فنزلت الآية، فلما كان العام المقبل دخلها، وأنزل الله تعالىلَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ } [الفتح: 27]. وفي هذا التأويل ضعف لأن السورة مكية وتلك الرؤيا كانت بالمدينة. وقال في رواية ثالثة: إنه عليه السلام رأى في المنام بني مروان يَنْزُون على منبره نَزْوَ القردَة، فساءه ذلك فقيل: إنما هي الدنيا أعطوها، فسُرِّيَ عنه، وما كان له بمكة منبر ولكنه يجوز أن يرى بمكة رؤيا المنبر بالمدينة. وهذا التأويل الثالث قاله أيضاً سهل بن سعد رضي الله عنه. قال سهل: إنما هذه الرؤيا هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فٱغتم لذلك، وما استجمع ضاحكاً من يومئذ حتى مات صلى الله عليه وسلم. فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من تملكهم وصعودهم يجعلها الله فتنة للناس وامتحاناً.

السابقالتالي
2 3 4