الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }

قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } في الكلام حذف، والتقدير: وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذبوا بها فيهلكوا كما فُعِل بمن كان قبلهم. قال معناه قَتادة وابن جُريج وغيرهما. فأخر الله تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن وفيهم من يولد مؤمناً. وقد تقدّم في «الأنعام» وغيرها أنهم طلبوا أن يحوّل الله لهم الصَّفَا ذهبا وتتنحىّ الجبال عنهم فنزل جبريل وقال: «إن شئت كان ما سأل قومك ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يمهلوا. وإن شئت استأنيت بهم». فقال: «لا، بل استأن بهم». و «أن» الأولى في محل نصب بوقوع المنع عليهم، و «أن» الثانية في محل رفع. والباء في «بالآيات» زائدة. ومجاز الكلام: وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأوّلين، والله تعالى لا يكون ممنوعاً عن شيء فالمعنى المبالغة في أنه لا يفعل، فكأنه قد منع عنه. ثم بيّن ما فعل بمن سأل الآيات فلم يؤمن بها فقال: { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً } أي آية دالة مضيئة نَيّرة على صدق صالح، وعلى قدرة الله تعالى. وقد تقدّم ذلك. { فَظَلَمُواْ بِهَا } أي ظلموا بتكذيبها. وقيل: جحدوا بها وكفروا أنها من عند الله فٱستأصلهم الله بالعذاب. { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } فيه خمسة أقوال: الأوّل ـ العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفاً للمكذّبين. الثاني ـ أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي. الثالث ـ أنها تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهّل ثم إلى مشيب، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمرك وهذا قول أحمد بن حنبل رضي الله عنه. الرابع ـ القرآن. الخامس ـ الموت الذّريع قاله الحسن.