الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: " لما نزلت سورة { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أقبلت العَوْرَاءُ أمُّ جميل بنت حرب ولها وَلْوَلة وفي يدها فِهْر وهي تقول: "
مُذَمَّماً عَصَيْنَا * وأمْرَه أبَيْنَا * وَدِينَه قَلَيْنَا   
" والنبيّ صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، لقد أقبلتْ وأنا أخاف أن تراك! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال. وقرأ { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }. فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر، أخبِرتُ أن صاحبك هجاني! فقال: لا ورَبِّ هذا البيت ما هجاك. قال: فولّت وهي تقول: قد علمتْ قريش أني ابنة سيدِها " وقال سعيد بن جُبير رضي الله عنه: " لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } جاءت امرأة أبي لهب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فقال أبو بكر: لو تَنَحّيْتَ عنها لئلا تُسمِعَك ما يؤذيك، فإنها ٱمرأة بذِيّة. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنه سيحال بيني وبينها» فلم تره. فقالت لأبي بكر: يا أبا بكر، هجانا صاحبك! فقال: واللَّهِ ما ينطق بالشعر ولا يقوله. فقالت: وإنك لمصدّقه فاندفعت راجعة. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أمَا رأتك؟ قال: «لا. ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت» " وقال كعب رضي الله عنه في هذه الآية: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستتر من المشركين بثلاث آيات: الآية التي في الكهفإِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } [الكهف: 57]، والآية التي في النحلأُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } [النحل: 108]، والآية التي في الجاثيةأَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } [الجاثية: 23] الآية. فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قرأهن يستتر من المشركين. قال كعب رضي الله تعالى عنه: فحدّثت بهن رجلاً من أهل الشأم، فأتى أرض الروم فأقام بها زماناً، ثم خرج هارباً فخرجوا في طلبه فقرأ بهن فصاروا يكونون معه على طريقه ولا يبصرونه. قال الثعلبي: وهذا الذي يروُونه عن كعب حدّثت به رجلاً من أهل الريّ فأسر بالدَّيْلَم، فمكث زماناً ثم خرج هارباً فخرجوا في طلبه فقرأ بهن حتى جعلت ثيابهم لتلمس ثيابه فما يبصرونه.

السابقالتالي
2