الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً }

فيه مسألتان: الأولى: قد مضى الكلام في هذه الآية في الأنعام، والحمد لله. والإملاق: الفقر وعدم الملك. أملق الرجل أي لم يبق له إلا الملَقات وهي الحجارة العظام المُلْس. قال الهُذَلِي يصف صائداً:
أتِيحَ لها أقَيْدِرُ ذو حَشِيف   إذا سامَتْ على الملَقَات سامَا
الواحدة مَلَقة. والأقَيْدر تصغير الأقدر، وهو الرجل القصير. والحَشِيف من الثياب: الخَلَق. وسامت مرّت. وقال شَمِر: أملق لازمٌ ومتعدٍّ، أملق إذا افتقر، وأملق الدهر ما بيده. قال أوْس:
وأَمْلـق ما عندي خطـوب تَنَبَّـلُ   
الثانية: قوله تعالى: { خِطْئاً } «خطأ» قراءة الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمزة والقصر. وقرأ ابن عامر «خَطَأً» بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة، وهي قراءة أبي جعفر يزيد. وهاتان قراءتان مأخوذتان من «خطىء» إذا أتى الذنب على عمد. قال ابن عرفة: يقال خَطِىء في ذنبه خَطَأ إذا أثِم فيه، وأخطأ إذا سلك سبيلَ خطأ عامداً أو غير عامد. قال: ويقال خَطِىء في معنى أخطأ. وقال الأزهري: يقال خَطِىء يخطأ خِطْئاً إذا تعمّد الخطأ مثلُ أثِم يَأثم إثماً. وأخطأ إذا لم يتعمّد، إخطاء وخطأ. قال الشاعر:
دَعِيني إنما خطَئي وصَوْبِي   عليّ وإنّ ما أهلكتُ مالُ
والخطأ الاسم يقوم مقام الإخطاء، وهو ضدّ الصواب. وفيه لغتان: القصر وهو الجيد، والمدّ هو قليل. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «خَطْأً» بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزة. وقرأ ابن كَثير بكسر الخاء وفتح الطاء ومدّ الهمزة. قال النحاس: ولا أعرف لهذه القراءة وجهاً، ولذلك جعلها أبو حاتم غلطاً. قال أبو عليّ: هي مصدر من خاطأ يخاطىء، وإن كنا لا نجد خاطأ، ولكن وجدنا تخاطأ، وهو مطاوع خاطأ، فدلنا عليه ومنه قول الشاعر:
تَخَاطَأت النَّبْلُ أحشاءَه   وأَخَّر يومِي فلم أَعْجَلِ
وقول الآخر في وصف مَهاة:
تخاطأه القَنّاص حتى وجدتُه   وخرطومُه في مَنْقع الماء راسبُ
الجوهري: تخاطأه أي أخطأه وقال أوْفَى بن مطر المازني:
ألاَ أبلغا خُلّتي جابراً   بأنّ خليلك لم يُقتَل
تخاطأت النّبل أحشاءه   وأخَّرَ يومي فلم يَعْجَل
وقرأ الحسن «خَطَاء» بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة. قال أبو حاتم: لا يعرف هذا في اللغة وهي غلط غير جائز. وقال أبو الفتح: الخطأ من أخطأت بمنزلة العطاء من أعطيت، هو اسم بمعنى المصدر، وعن الحسن أيضاً «خَطًى» بفتح الخاء والطاء مُنوّنة من غير همزة.