قوله تعالى: { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ } قال ابن عباس وغيره: هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له: اللَّهُمَّ أهلكه، ونحوه. { دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ } أي كدعائه ربَّه أن يَهَب له العافية فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشر هلك لكن بفضله لا يستجيب له في ذلك. نظيره:{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ } [يونس: 11] وقد تقدّم. وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، كان يدعو ويقول:{ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. وقيل: هو أن يدعو في طلب المحظور كما يدعو في طلب المباح، قال الشاعر وهو ابن جامع:
أطوف بالبيت فيمن يطوف
وأرفع من مئْزَرِي الْمُسْبَلِ
وأسجد بالليل حتى الصباح
وأَتْلُو من الْمُحْكَم الْمُنْزَلِ
عسى فارجُ الْهَمِّ عن يوسفٍ
يُسَخِّر لي ربّةَ المَحْمِلِ
قال الجوهري: يقال ما على فلان مَحْمِل مثال مجلس أي معتمد. والمَحْمِل أيضاً: واحد محامل الحاج. والمِحْمَل مثال المِرْجَل: عِلاقة السيف. وحذفت الواو من «ويدع الإنسان» في اللفظ والخط ولم تحذف في المعنى لأن موضعها رفع فحذفت لاستقبالها اللام الساكنة كقوله تعالى:{ سَنَدْعُو ٱلزَّبَانِيَة } [العلق: 18]{ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } [الشورى: 24]{ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النساء: 146]{ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } [قۤ: 41]{ فَمَا تُغْنِـي ٱلنُّذُرُ } [القمر: 5] { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } أي طبعه العَجَلة، فيَعْجَل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير. وقيل: أشار به إلى آدم عليه السلام حين نهض قبل أن تركّب فيه الروح على الكمال. قال سلمان: أوّل ما خلق الله تعالى من آدم رأسه فجعل ينظر وهو يخلق جسده، فلما كان عند العصر بقيت رجلاه لم ينفخ فيهما الروح فقال: يا ربّ عَجّل قبل الليل فذلك قوله: { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } وقال ابن عباس: لما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فذهب لينهض فلم يقدر فذلك قوله: { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً }. وقال ابن مسعود: لما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عَجْلانَ إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول: { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } ذكره البيهقي. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لما صور الله تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يُطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خُلِق خلقاً لا يتمالك " وقد تقدّم. وقيل: " سلّم عليه السلام أسِيراً إلى سَوْدة فبات يئنّ فسألته فقال: أنيني لشدّة القِدّ والأسر فأرخت من كتافه فلما نامت هرب فأخبرت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «قطع الله يديك» فلما أصبحت كانت تتوقّع الآفة فقال عليه السلام: «إني سألت الله تعالى أن يجعل دعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر» "