الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } اختلف في هذه الآيات فقيل: هي بمعنى آيات الكتاب كما روى الترمذي والنسائي عن صفوان بن عسّال المراديّ " أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبيّ نسأله فقال: لا تقل له نبيّ فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين فأتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله تعالى: «ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفرّوا من الزحف ـ شك شعبة ـ وعليكم يا معشر اليهود خاصة ألا تعدوا في السبت» فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبيّ. قال: «فما يمنعكما أن تسلما» قالا: إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبيّ وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود " قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد مضى في البقرة. وقيل: الآيات بمعنى المعجزات والدلالات. قال ابن عباس والضحاك: الآيات التسع: العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم آيات مفصَّلات. وقال الحسن والشعبيّ: الخمس المذكورة في «الأعراف» يعنيان الطوفان وما عطف عليه، واليد والعصا والسنين والنقص من الثمرات. وروي نحوه عن الحسن إلا أنه يجعل السنين والنقص من الثمرات واحدة، وجعل التاسعة تلقّف العصا ما يأفكون. وعن مالك كذلك إلا أنه جعل مكان السنين والنقص من الثمرات: البحر والجبل. وقال محمد بن كعب: هي الخمس التي في «الأعراف» والبحر والعصا والحجر والطمس على أموالهم. وقد تقدّم شرح هذه الآيات مستوفًى والحمد لله. { فَٱسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ } أي سلهم يا محمد إذ جاءهم موسى بهذه الآيات، حسبما تقدّم بيانه في يونس. وهذا سؤال استفهام ليعرف اليهود صحة ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم. { فقال له فِرْعَون إنّي لأظنّك يا مُوسى مَسْحُوراً } أي ساحراً بغرائب أفعالك قاله الفراء وأبو عبيدة. فوضع المفعول موضع الفاعل كما تقول: هذا مشؤوم وميمون، أي شائم ويامن. وقيل مخدوعاً. وقيل مغلوباً قاله مقاتل. وقيل غير هذا وقد تقدّم. وعن ابن عباس وأبي نهيك أنهما قرأا «فسأل بني إسرائيل» على الخبر أي سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه.