الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

فيه ثمان مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَٱلْخَيْلَ } بالنصب معطوف، أي وخلق الخيل. وقرأ ٱبن أبي عَبْلة «والخيلُ والبِغالُ والحمِيرُ» بالرفع فيها كلها. وسُمِّيت الخيل خيلا لاختيالها في المِشْية. وواحد الخيل خائل، كضائن واحد ضأْن. وقيل لا واحد له. وقد تقدم هذا في «آل عمران»، وذكرنا الأحاديث هناك. ولما أفرد سبحانه الخيل والبغال والحمير بالذكر دل على أنها لم تدخل تحت لفظ الأنعام. وقيل: دخلت ولكن أفردها بالذكر لما يتعلق بها من الركوب فإنه يكثر في الخيل والبغال والحمير. الثانية ـ قال العلماء: ملّكنا الله تعالى الأنعام والدواب وذللها لنا، وأباح لنا تسخيرها والانتفاع بها رحمة منه تعالى لنا، وما ملكه الإنسان وجاز له تسخيره من الحيوان فكراؤه له جائز بإجماع أهل العلم، لا اختلاف بينهم في ذلك. وحكم كراء الرواحل والدواب مذكور في كتب الفقه. الثالثة ـ لا خلاف بين العلماء في اكتراء الدواب والرواحل للحمل عليها والسفر بها لقوله تعالى: { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } الآية. وأجازوا أن يُكرِي الرجل الدابة والراحلة إلى مدينة بعينها وإن لم يُسَمّ أين ينزل منها، وكم من مَنْهل ينزل فيه، وكيف صفة سيره، وكم ينزل في طريقه، واجتزوا بالمتعارف بين الناس في ذلك. قال علماؤنا: والكراء يجري مجرى البيوع فيما يحل منه ويحرم. قال ابن القاسم فيمن اكترى دابة إلى موضع كذا بثوب مَرويّ ولم يصف رُقعته وذرعه: لم يجز لأن مالكاً لا يجيز هذا في البيع، ولا يجيز في ثمن الكراء إلا ما يجوز في ثمن البيع. قلت: ولا يُختلف في هذا إن شاء الله لأن ذلك إجارة. قال ابن المنذر: وأجمع كل مَن يُحفظ عنه من أهل العلم على أن من اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة قمح فحمل عليها ما ٱشترط فتلِفت أن لا شيء عليه. وهكذا إن حمل عليها عشرة أقفزة شعيرا. واختلفوا فيمن اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة فحمل عليها أحد عشر قفيزاً، فكان الشافعيّ وأبو ثَوْر يقولان: هو ضامن لقيمة الدابة وعليه الكراء. وقال ابن أبي لَيْلَى: عليه قيمتها ولا أجر عليه. وفيه قول ثالث ـ وهو أن عليه الكراء وعليه جزء من أجر وجزء من قيمة الدابة بقدر ما زاد من الحمل وهذا قول النعمان ويعقوب ومحمد. وقال ابن القاسم صاحب مالك: لا ضمان عليه في قول مالك إذا كان القفيز الزائد لا يَفْدح الدابة، ويُعلم أن مثله لا تعطَب فيه الدابة، ولرَبّ الدابة أجر القفيز الزائد مع الكراء الأول لأن عطبها ليس من أجل الزيادة. وذلك بخلاف مجاوزة المسافة لأن مجاوزة المسافة تَعَدٍّ كله فيضمن إذا هلكت في قليله وكثيره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6