الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ }

الجمال ما يتجمّل به ويتزين. والجمال: الحسن. وقد جَمُل الرجل بالضم جمالاً فهو جميل، والمرأة جميلة، وجملاء أيضاً عن الكسائي. وأنشد:
فهي جَمْلاء كبدرٍ طالع   بذّت الخلق جميعاً بالجمال
وقول أبي ذؤيب:
جمـالَكَ أيّهـا القلـبُ القريـح   
يريد: الزم تجمّلك وحياءك ولا تجزع جزعاً قبيحاً. قال علماؤنا: فالجمال يكون في الصورة وتركيب الخِلْقة، ويكون في الأخلاق الباطنة، ويكون في الأفعال. فأما جمال الخِلْقة فهو أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائماً، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر. وأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العِلم والحكمة والعدل والعِفة، وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد. وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم. وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة، وهو مرئيّ بالأبصار موافق للبصائر. ومن جمالها كثرتُها وقول الناس إذا رأوها هذه نعم فلان قاله السدّيّ. ولأنها إذا راحت توفّر حسنها وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها لأنها إذ ذاك أعظم ما تكون أسنمة وضروعاً قاله قتادة. ولهذا المعنى قدّم الرّواح على السراح لتكامل دَرّها وسرور النفس بها إذ ذاك. والله أعلم. وروى أشهب عن مالك قال: يقول الله عز وجل { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } وذلك في المواشي حين تروح إلى المرعى وتسرح عليه. والرّواح رجوعها بالعَشِيّ من المرعى، والسَّراح بالغداة تقول: سَرَحتُ الإبل أسرحها سَرْحاً وسروحاً إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها، وسرحت هي. المتعدّي واللازم واحد.