الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } * { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } قال الفراء. «ما» بمعنى الجزاء. والباء في «بكم» متعلقة بفعل مضمر، تقديره: وما يكن بكم. { مِّن نِّعْمَةٍ } أي صحة جسم وَسَعة رزق وولد فمن الله. وقيل: المعنى وما بكم من نعمة فمن الله هي. { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ } أي السّقم والبلاء والقَحْط. { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } أي تضجون بالدعاء. يقال: جَأر يَجْأَر جُؤاراً. والجُؤار مثل الخُوار يقال: جأر الثور يجأر، أي صاح. وقرأ بعضهم «عجْلاً جسَداً لَهُ جُؤَارٌ» حكاه الأخفش. وجأر الرجل إلى الله، أي تضرّع بالدعاء. وقال الأعشى يصف بقرة:
فطافت ثلاثاً بين يوم وليلة   وكان النكير أن تُضِيف وتجأرا
{ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ } أي البلاء والسقم. { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } بعد إزالة البلاء وبعد الجؤار. فمعنى الكلام التعجيب من الإشراك بعد النجاة من الهلاك، وهذا المعنى مكرر في القرآن، وقد تقدّم في «الأنعام ويونس»، ويأتي في «سبحان» وغيرها. وقال الزجاج: هذا خاص بمن كفر. { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } أي ليجحدوا نعمة الله التي أنعم بها عليهم من كشف الضر والبلاء. أي أشركوا ليجحدوا، فاللام لام كَيّ. وقيل لام العاقبة. وقيل: «لِيَكْفُرُوا بما آتَيْنَاهُم» أي ليجعلوا النعمة سبباً للكفر، وكل هذا فعل خبيث كما قال:
والكفـرُ مَخْبَثَـةٌ لنـفس المُنْـعِم   
{ فَتَمَتَّعُواْ } أمر تهديد. وقرأ عبد الله «قل تمتعوا». { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي عاقبة أمركم.